ذكرى سقوط غرناطة
أعذرينا يا أندلس
نشر في 01 يناير 2017 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
ذكرى سقوط الأندلس
في مدخل الحمراء كان لقاؤنا ... ما أطيب اللقيا بلا ميعادِ
أنا من محبي أشعار الراحل نزار قباني وقصيدة الحمراء كانت بمثابة البوابة التي أدخلتني تاريخ الأندلس, وكنت قبلها مثل الكثيرين لا أعرف من الأندلس إلا قصة إحراق طارق ابن زياد للسفن ( وهي قصة تبين لي فيما بعد أنها من الخيال وليس لها سند تأريخي ولا سند عقلاني ) ومقولته الشهيرة البحر من ورائكم والعدو من أمامكم ...
وبعض روايات عن أمراء الأندلس المشبعة بعشق الجواري!
وكلما كنت أتعمق أكثر في قراءة تاريخ الأندلس العظيم، كلما زاد شغفي وتعلقي بالأندلس. فأبهرتني تلك العظمة والسمو التي عاشها الأندلسيون، وتلك العلوم التي أرتقوا بها حتى زاحموا النجوم في السماء، سحرني الأدب الأندلسي فغدوت متيماً بكل شعراء وشاعرات الأندلس الذين لا مثيل لشعرهم أطلاقاً.
أدهشتني عمارتهم التي مازالت تدهش زوار أسبانيا إلى اليوم، أدهشتني بطولات العظماء الأندلسيين، فقرأت الكثير والكثير عن ذلك المجد الذي سلب منا، وأنا بعد لم أرتوي منه. وتحسرت عليه وعلى ما آلت إليه الأحداث بالأمة الأندلسية المنكوبة، فظللت أكتب وأحدث الناس به بكل مناسبة وغير مناسبة...!
مآثر الأندلسيين ستبقى خالدة في ذاكرة التاريخ، فهي باقية ببقاء الجزيرة الإيبيرية وجبال البرانس على هذا الكوكب. ومأساتهم ونكبتهم ستظل الجرح النازف في جسد الأمة حتى يحدث الله بعد ذلك أمرا. إلا أن زماننا أشغلنا عنها بحوادثٍ جمة ولم يترك لنا حتى الحزن عليها، فأحدث شروخاً عديدة في بلادنا لنعيشها حاضراً لا ماضياً وتاريخاً.
فلو قدر لمساجد الأندلس التي حولت إلى كنائس أن تنطق فهل ستعزينا أم نعزيها !؟ وهل ستواسينا قصور الحمراء وأطلال مدينة الزهراء أم نواسيها!؟ فيال شقاء حاضرنا وتعاسة ماضينا !!
سقطت الأندلس في 2 يناير 1492م، وبعد ردح من الزمن تم تهجير أهلها، ومضت السنون فتساقطت أندلس كثيرة في مشارق بلادنا وغربها وأصبح المشرق والمغرب في حقبة من الدهر تحت الإحتلال الأوروبي وتم تهجير عقولنا ولغاتنا. ورحل المحتل تاركاً في أرضنا ألغاماً تنفجر بالوقت المعلوم وخلف كل لغم تشتعل حرب بيننا فتنهار بسببها دول ويتم تهجير شعوب ومجازر لا حصر لها.
فاعذرينا يا أندلس، لم ننساكِ ولكن مآسيكِ دون مآثرك ماثلة اليوم في بلداننا. فمحاكم التفتيش بُعثت من جديد وصارت على مرأى ومسمع الجميع لا في سراديب تحت الأرض. ومجازر ثورة البشرات أعادوا صياغتها في ميادين ثوراتنا، وقرار فيليب الثالث عام 1609م بطرد الأندلسيين من غرناطة أُعيدت تلاوته في القرن الواحد والعشرين وتم تهجير الشعوب من مدنها.
فلو بعث أبو البقاء الرندي سينظم مرثية أعظم من مرثية الأندلس فينا وفي بلداننا فاعذرينا يا أندلس.
محمد سيف الداعري
01/01/2017
-
محمد سيف جيوبجسدي يعيش بأرضٍ والفؤاد ومالكيه بأرض. من جنوب اليمن تحديداً من منطقة ردفان ( ردفان الثورة كما تعرف تاريخياً ) مقيم في الرياض.