أم حديثة العهد بالأمومة أم مهاجرة جديدة ؟ أيهما تعد المرحلة الأصعب؟ ماذا إن تم دمجهما معا؟

الأمومة وخصوصا لمن تحلم أن تصير أما وقطعت أشواطًا مع مايسمى "المساعدة الطبية على الإنجاب", تعد من أعظم النعم بل قد تكون أسماها على الإطلاق.

الهجرة، مع ما يمكنها تقديمه لك من مغريات، أخص بالذكر : فرصة عمل أفضل، عودة إلى الدراسة، مستقبل زاهر، أمن، انفتاح على العالم، تحديات جديدة، هي رحلة تعلم مستمرة، و إشباع حقيقي لغريزة الاكتشاف خصوصا في السنوات الأولى.

جيد إذن، ظاهريا هذا ما يبدو أو كما نقول "مزوق من برا" لكن الحقيقة أن لكلتا المرحلتين وخصوصا في بدايتهما صعوبات تكاد تلقي بك في ظلمات المحيط دون أي إدراك مسبق و من دون سترة نجاة!

يومياتي كأم حديثة في المهجر تشبه معسكرا للتجنيد الإجباري ، لكنه اختياري !؟ نعم ! كلاهما أنا من اخترته واخترت حتى توقيته، كان سقف توقعاتي عاليا جدا، كنت أظنها حسبة بسيطة ، لكنني وإلى يومنا هذا لن أستسلم ! قبلت التحدي، وأنا أسير في هذه الرحلة إلى آخر رمق!! إلى نقطة النهاية!! إلى مالانهاية من المشاعر المتناقضة .. من كمية الحب اللامشروط الذي أكنه لمعذبتي الصغيرة.. من تعب وأرق الليالي الطويلة..ليست الليالي فحسب بل الأيام كذلك.

الوقت نهارا يمر ببطئ شديد ، لا أقوم بأي شيء مهم، لكن مهمتي الوحيدة تكاد تكون الأهم على الإطلاق !

مهمة يقوم المجتمع بتقزيمها والنظر إليها باستصغار فكثيرا ما سمعت: متى ستشتغلين؟ هل تبحثين عن عمل أم أنك تفضلين المكوث في المنزل من دون القيام بشيء؟ فأجيب أنني في الوقت الراهن أفضل رعاية الصغيرة إلى أن تتم السنتين على الأقل.

هي تحتاجني، وأنا سعيدة باحتياجها لي ، لا أتذمر منه إطلاقا، لكنني في بعض الأحيان أحتاج نفسي!!! أريد بعض الوقت لي، الأم أيضا إنسان ويمكنها أن تكون أنانية، يمكن أن تنطوي، تهرب لنفسها، لأحلامها المؤجلة، لبعض الهوايات المركونة في دولاب النسيان، أريد أن أركض وأنفض عنها الغبار المتراكم وأعيد لها الحياة!!؟

يفوتني الكثير في هذه التجربة، أقصد تجربة الهجرة، يمكنني أن أستغل وقتي في دراسة الإنجليزية ، في التطوع، في صالات السباحة و المكتبات الفاتنة، لكن وقتي لم يعد ملكيتي الخاصة!!! كتبته باسمها منذ ولدت وجعلت العصمة في يدها!! فقررت صغيرتي أن أصبح كشجرة كندية صامدة أمام قساوة الطقس وهي ظلي الصغير الذي يقلدني في كل حركة ويأبى أن يفارقني!!