غزت برامج التواصل عقول الناس وحياتها، وقلما تجد من لا يتعمل مع هذه التقنيات التي قربت البعيد وجمعت الناس تحت سقف واحد على تباين أفكارها وأعمارها وعقولها، ومن البرامج التي شغلت حيزا كبيرا برنامج "الواتساب" الذي أشعل ساحة التواصل واستحوذ على النصيب الأكبر من المتابعين ، فأُنْشِئَتْ المجموعات على اختلاف أهدافها ، ومما تعجبت منه "قروب العائلة" الذي لم أشعر إلا وأنا في هذه المجموعة التي ظننت بداية أنها ستقرب العائلة من بعضها، ولكن لوقت كتابتي هذه لم أفهم شيئا من هذه المجموعة، فكل فرد في العائلة يمارس هوياته دون اكتراث لمن حوله، فالوالدة كعادتها ترسل لنا عجائب وغرائب المنشورات فمرة ترسل لنا " صل على الرسول مائة مرة ، وأرسلها لعشرة أشخاص وسيصلك خبر سار خلال 24 ساعة يقلب تعاستك إلى سعادة" ومرة ترسل لنا صورة لعروس البحر تقول أنها تم اكتشافها في نهر الأمازون، ومرة ترسل لنا إنسانا بسبعة رؤوس وعشرة أرجل، وأما الأخ الأكبر فهو إنسان ذو ثقافة عالية إلا أنه يطرح مواضيع للنقاش داخل المجموعة يصعب على فيصل القاسم طرحها في برنامج "الاتجاه المعاكس"، فمرة طرح علينا موضوع "أسرار الموساد ودوره في العالم العربي" فما كان من الأخ الأصغر إلا أن وشى به وأوصل الخبر للوالد الذي أوسعه ضربا وتوبيخا وقال له: "خلك بعيد عن السياسة" وبعد ذلك صمت ولم نسمع له صوتا إلا يوم الجمعة يذكرنا فيه بقراءة سورة أصحاب الكهف، أما الأخ المولع بكرة القدم وممارستها رغم أنه يزن 120 كيلو، فتارة يرسل لنا مقصية لكرستيان رونالدو يصعق بها شباك البرشلونيين، ومرة يرسل لنا تصريح لمحمد الشلهوب يعتذر فيه عن النتائج المخزية ويعد فيه عشاق الأخضر بالتتويج بلقب كأس العالم، وأما الأخ الأصغر فلا يمكن التكهن بما يمكن أن يرسله فمرة يرسل موعظة تخشع لها القلوب وتدمع لها العيون وتهتز لها الأبدان، وبعد أقل من ثانية يرسل لنا مقطع لراقصة تعبث بأردافها وأحشائها، وأما الأخ الشاعر فتنهال علينا كتابته التي تشعرك بالغثيان فما يكون منك إلا أن تصفق له وقلبك يشتاط غيظا من كتاباته، وفي خضم هذا الزخم الذي يفقدك التوازن ويصيبك بالإرتعاش يرسل الأخ صاحب النكات نكتته اليومية التي وإن كنت تضحك ستتوقف عن الضحك ... باختصار كل شيء يدور في هذا القروب باستثناء ما يخص العائلة.