شهد القرن الماضي انطلاق ظاهرة "التنمية البشرية"، بمعنى تطوير الذات، والتدريب على ذلك، وكانت أمريكا هي المُصدّرة – بشكل رئيس – لهذه الثقافة، التي نشأت كرد فعل للتيار المادي، وسيطرة الآلة وانتشار الأمراض الاجتماعية والاضطرابات النفسية والسلوكية.

وصار هناك احتياج مُلِح لمداواة ذبول الروح والنفس الإنسانية، التي طحنتها عجلات الحداثة، وكان من الصعب أن يفزع الملايين لعيادات أطباء الأمراض النفسية، غير أن الكثير من الناس يعتقد أن اللجوء لمعالج أو طبيب نفسي فضيحة وأمر محرج حتى عند الغرب منذ بضعة عقود، وكما يقولون: "الحاجة أم الاختراع"، ظهر عدد من الكتاب والمحاضرين والمدربين، بعضهم لهم علاقة بالعلوم الإنسانية كعلم النفس والاجتماع والفلسفة والإدارة، والبعض الآخر اعتمد على خبراته الشخصية وقدرته على تحفيز الآخرين، واتسع الحديث في هذا الشأن، وكثرت عناوين الكتب، واختلط الغث بالسمين.

ومع أنني أحاضر في التنمية الذاتية منذ فترة طويلة، لكني خدعت كثيرا في العديد من الكتب، ومكتبتي الشخصية فيها أكثر من 300 كتاب في التنمية الذاتية، وأعترف بأن هناك من الكتب ما يغني عن غيره، ولأن الكثيرين يسألونني عن أهم الكتب في هذا المجال، لذا أحببت أن أنقل لكم تجربتي لأوفر على غيري إهدار الوقت والمال، عن طريق الدلالة على أهم المؤلفين في هذا المجال ورأيت أن ذلك يعطي بعدًا ووعيًا أكبر، من مجرد ذكر عناوين، فهناك أغلفة جذابة بمضامين خاوية، مع التأكيد على أن ما سأذكره هو اجتهاد شخصي، كما أن مؤلفات نفس المؤلف تتفاوت في قوتها وثرائها وابتكارها، لكن على أي حال فأغلب أعمال هؤلاء الخبراء تناسب المبتدئين، وقد تجنبت عن عمد كتب البرمجة اللغوية العصبية والإيحاء وما شابهها من برامج كثر الجدل حولها، فضلا عن كونها تحتاج لفك بعض التعقيدات التي ربما تجعل القارئ الذي يتعرف على مثل هذه العلوم لأول مرة، يغلق الكتاب وقد لا يفتحه مرة أخرى.

والآن تعالوا نتعرف على هؤلاء الكتاب وأبرز أعمالهم بشكل موجز:

ستيفن آر كوفي

كاتب أمريكي شهير ولد عام 1932 وتوفي عام 2012 عن عمر يناهز 79 عاما، وقد تتعجب عندما تعلم أنه أنجب تسعة أبناء، وكان جدا لتسعة وأربعين حفيدا !

كوفي الذي درس الإدارة ومارسها ودرب عليها وقام ببحوث عديدة حولها، أنتج لنا أهم المراجع على الإطلاق في "تطوير الذات"، والتي أنصح بها كبداية، والذي يميز كتبه عن غيره، استخدامه لمناهج البحث العلمي، فقد تعب كثيرا ليخرج كتابه الأشهر "العادات السبع للأشخاص الأكثر فاعلية" والذي ترجم للغات عديدة وانتشر بصورة مهولة، وكثرة الاقتباسات والإضافات والشروح والملخصات عليه ومنه، دليل واضح على تميزه.

ومن كتبه أيضا:

- العادة الثامنة: الذي خرج في حجم أضخم من العادات السبع، ويحتوي على مفاهيم وأفكار تثري عقل القارئ، وتجعله يطلع على مجالات متعددة في تطوير الذات.

- البديل الثالث (التعاون الإبداعي): بهذا الكتاب – إذا ضم للكتابين السابقين – أستطيع أن أزعم أنك قد ألممت بـ 80% من عطاء كوفي الفكري، وكتبه الأخرى ليست بنفس المستوى.

ومن كتبه الأخرى: الأشياء المهمة أولا – القيادة المرتكزة على المبادئ

يبقى أن ألفت انتباهك لخطأ شائع، فكتاب "سرعة الثقة" هو لابنه "ستيفن أم أر كوفي، وليس له.

جوزيف ميرفي

ولد عام 1898 في ايرلندا وعاش ومات بأمريكا عام 1981، وسبب ذكري له، على الرغم من أن الذي اشتهر من كتبه – على الأقل المترجمة للعربية – هو كتاب "قوة عقلك الباطن"، أن ميرفي غير النظرة التي كانت قبله عن العقل الباطن، وخالف "فرويد" في تركيزه على الجانب السلبي للعقل الباطن، واستطاع ميرفي بإبداع فكري متفرد أن يناقش إمكانية أن نستثمر اللاوعي، وأن نوحي له بما نرغب أن نكون عليه أو ما نتمناه من نتائج. وقطعا لست هنا لأحاكم الكتاب وأفكاره، لكن يكفي أن الكثير من فرضيات "البرمجة اللغوية العصبية" وتطبيقاتها، تعتمد على مفاهيم أوردها ميرفي في كتابه بأسلوب سهل غير معقد.

أنتوني روبينز

أمريكي آخر ولد عام 1960 بكاليفورنيا، ويعد من أشهر المحاضرين والمتحدثين أمام أعداد كبيرة، وإذا كان "كوفي" من مدرسة الإدارة، و"ميرفي" من مدرسة علم النفس، نستطيع أن نقول بأن "روبينز" من رواد المدرسة التحفيزية، وكتبه تدور غالبا حول التحفيز الإيجابي، ومن أهم كتبه:

- الطاقة اللامحدودة

- أيقظ العملاق الذي بداخلك

واين داير

ولد عام 1940م، في ميتشجان بأمريكا، وتوفي عام 2015م، وبالرغم من نشأته القاسية، حيث قضى طفولته ومراهقته في ملجأ أيتام، إلا أنه جعل همّه وشغله الشاغل أن يخفف معاناة الآخرين، وتخصص في الاستشارات النفسية، واشتهر بمحاضراته العامة، وطريقته في بث الأمل والتفاؤل في الحضور، وتأثر الكثير من المحاضرين – في العالم العربي – بأسلوبه وطريقته في التأثير الإيجابي. ظهر له كتاب بعنوان "مناطق ضعفك" في عام 1976 بيع منه أكثر من 30 مليون نسخة، ويقال أنه أحد أحسن الكتب التي عرفها التاريخ. كما أن محاضراته المسجلة الكثيرة، والمتاحة على "يوتيوب" تعد مصدرا هاما لأفكاره، وله مقولات أيضا متداولة تعكس حكمته.

من مؤلفاته الأخرى المترجمة للعربية:

- قوة العزيمة

- سوف تراه عندما تؤمن به

- أوقف الأعذار

- غير أفكارك تغير حياتك

توني بوزان

ولد عام 1942 م وهو بريطاني الجنسية، وله ألقاب عديدة منها، "أستاذ الذاكرة"، و "Mr. Brain"، وهو مبتكر "الخرائط الذهنية" أو "Mind Maps"، واهتم بوزان بتحسين الذاكرة والقدرة على التعلم بشكل أفضل، وكتبه تعد الأهم في هذا الشأن، وهي كثيرة ومتنوعة، ومنها مما ترجم للعربية:

- استخدم ذاكرتك

- خريطة العقل

- استخدام خرائط العقل في العمل

- العقل واستخدام طاقته القصوى

- العقل القوي

- القراءة السريعة

- قوة الذكاء الأجتماعي

- قوة الذكاء الروحي

- قوة الذكاء الكلامي

- قوة الذكاء الإبداعي

مع التنبيه أن بعض كتبه في الذاكرة وخرائط العقل يغني عن الآخر، فتمهل عند الشراء واحذر من الطبعات التجارية السيئة التي تتلاعب بتغيير اسم الكتاب.

إدوارد دي بونو

إذا كان "بوزان" رجل الذاكرة، فـ "دي بونو" هو رجل التفكير، ولد دي بونو في مالطا عام 1933م، ودرس الطب في بلده، ثم سافر بريطانيا واستمر في الدراسة إلى أن حصل على الدكتوراة في الطب من جامعة أكسفورد، وهو من المؤسسين لمصطلح "التفكير الإبداعي"، واشتهر ببرنامجين تدريبيين انتشرا في العالم بصورة كبيرة، وهما: "القبعات الست للتفكير"، "برنامج الكورت"، وتم نشرهما وترجمتهما للعربية، إلا أن "الكورت" مطبوع في ستة أجزاء، ومن كتبه المترجمة للعربية أيضا:

- التفكير الجانبي

- تعليم التفكير

- أنماط النجاح في التجارة والإدارة (أحذية العمل الستة)

إلا أن أهم إنتاج دي بونو على الإطلاق هو "الكورت" وكما ذكرت أنه مترجم ومطبوع، ومن الممكن الاستفادة منه في تنمية مهارات التفكير عند الأطفال في المدارس.

ديباك شوبرا

ولد في الهند عام 1947م، ودرس الطب بها، وسافر لأمريكا وعمل طبيبا لأمراض القلب، وذاع صيته، لكنه تحول فجأة وتغيرت نظرته للطب الغربي، وبدأ يهتم بالطب البديل، وأخذ يجري بحوثا فيه، وأسس مركزا علاجيا، يستخدم الطب البديل فقط في مداواة مرضاه، وتهافت عليه نجوم هوليود، وعرف بطبيب المشاهير، وألف كتبا عديدة تعكس رؤيته في تحسين حياة الإنسان، من منظور صحي، ومن كتبه المترجمة:

- القوانين الروحانية السبعة للنجاح

- الحلول الروحية

- تحقيق الرغبات

- جسد لا يشيخ وعقل لا يحده زمن

- روح القيادة

- الدماغ الخارق

- القوة والحرية والخير

- إلى ماذا أنت جائع

إيريك فروم

ولد عام 1900م في ألمانيا، وهاجر لأمريكا، حيث استقر وأكمل دراساته وبحوثه في التحليل النفسي، وتوفي عام 1980م، وعندما نتكلم عن "فروم"، فنحن أمام ظاهرة مختلفة تماما، فهو عالم نفس، وفيلسوف إنساني واجتماعي، وقدم نقدا ثريا للمدارس النفسية والفلسفية التي كانت مألوفة قبله، وستكتشف عند مطالعتك لكتبه بطرح جديد جدير بالاهتمام، مع التأكيد أنه عالم وفيلسوف، وليس مجرد هاوٍ يحاول تحفيز الجماهير، ومن كتبه المترجمة:

- فن الحب

- فن الإصغاء

- جوهر الإنسان

- اللغة المنسية

- الإنسان بين الجوهر والمظهر

- أزمة التحليل النفسي

- الإنسان المستلب وآفاق تحرره

- الخوف من الحرية

بريان تريسي

قصة هذا الرجل عجيبة جدا، ومثيرة للغاية، فمن يصدق أن هذا المحاضر والمؤلف الأشهر في المبيعات والتحفيز والإدارة، والذي انتشرت تسجيلاته ومقولاته كانتشار النار في الهشيم، هو نفسه ذلك الطفل البائس الذي ولد في كندا عام 1944م، ولم يكمل تعليمه، وعمل في العديد من الأعمال الشاقة، وعمل على سفينة شحن لنقل البضائع، وسافر لدول كثيرة، وتبقى نقطة التحول في حياته غامضة، لكنه يقول أنه سأل نفسه: ما الذي يجعل الناجحين ناجحين ؟ وحاول أن يتتبع استراتجياتهم، وقرر أن يعود للدراسة، وحصل على شهادة في إدارة الأعمال من جامعة كبرى، والذي يميز "تريسي" – مع إصراره ومثابرته – حبه العجيب للقراءة، وربما تكون هي القراءة التي أعطته القدرة على تخيل مستقبل أفضل، ووسعت مداركه وزادت في طموحاته، وسبب اختياري له، سعة إنتاجه الفكري وتنوعه، وبساطة أسلوبه، ومن كتبه:

- نقطة التركيز

- ابدأ بالأهم ولو كان صعبا

- كيف تصبح ثريا بطريقتك الخاصة

- اللحظة الفاصلة

- التفاوض

- قوة السحر

- ارسم مستقبلك بنفسك

- 21 طريقة لتحقيق سعادة ونجاح دائمين

إيكهارت تول

ألماني المولد عام 1948م، عاش في كندا، وحاضر في بلدان عدة أكثرها أميركا، ويعد "تول" من أكثر المحاضرين الروحانيين شهرة، وسبب اختياري له ستعرفه عندما تطالع كتبه، فله خط خاص يميزه عن غيرة، وعاش تجربة شخصية تعلم منها الكثير، فهو يقول أنه كان قبل عمر 29 سنة يعاني من الاكتئاب، إلى أن حدث له التحول الداخلي الذي غير حياته، ويبدو أنه كان عاشقا للقراءة أيضا، وتعلم اللغات بسرعة، فمع كونه ألماني النشأة، لكنه عندما يحاضر بالإنجليزية لا تشعر بأنه يتحدث بلسان غريب عنه. كتب "تول" ومحاضراته لاقت إقبالا جماهيريا كبيرا، وفي أمريكا خاصة.

من أهم كتبه المترجمة للعربية:

- قوة الآن

- أرض جديدة

- حديث السكون .

أعتقد أن هؤلاء العشرة جديرون باقتناء كتبهم – أو أهم كتبهم- ثم تأتي مرحلة لاحقة، لتحدد فيها فرعا من فروع تنمية الذات، تميل له أكثر وهذا سيحتاج كتبا أكثر تخصصا، وسنحاول إن راقت لكم الفكرة أن نقدم نماذج لذلك في مقالات قادمة بإذن الله.