قالوا قديماً " الإنطباع الأول يدوم " , ولكن الزمن لن يتوقف عند لحظتها , فهذا المبدأ نفسه لن يدوم طويلاُ , الحياة التي تضم كل المبادئ والمُعتقدات أيضاً لا تدوم , فهل تتوقع أن تدوم مجرد مقولة قد بُنيت على إستنتاجات أو تجارب شخصية لأحدهم فجعلها مبدأ واضح يسير على خُطاه عامة البشر ؟! , بالطبع لا , فلكل لحظة تغيراتها , ولكل تغير أسس لم تأتِ من فراغ , ولكل أساس عقل توصل لفكرة جديدة مختلفة قد تدفعنا لمزيد من التأمل والفكر الجديد عن عالم عقولنا .. وإليك التغيير الجديد الذي قد يجده الكثير منا ذاته , وإعتقاده الراسخ بعقله ومبدأ جديد قد إتخذه ضمن لائحة أهم المبادئ التي سيُدعمها ..
كان المُتعارف عليه , أن نظرتك الأولى للبشري الذي لم تلتقِ به من قبل هي النظرة الصائبة , فقد تجده مُتعجرفاً فظاً لا يمنحك ولو جزءاً بسيطاً من وده , وعلى أساسها تبني نظرتك الأبدية له أنه " صاحب الشخصية الأصعب على الإطلاق ! " , ومن ثم تبدأ في الإنسحاب من حياته تدريجاً حتى وإن كان تواصلكم محدود , تبدأ اولاً برفض الإجابة على هاتفه , بحجة الإنشغال مرة , تحت مُسمى المرض مرة أخرى وقد يصل بك الحال إلى أن تُهاجر من بلدك بأكملها فقط لتتخلص من وجود بشري كان من الممكن الإبتعاد عنك غذا أخبرته ذلك صراحةً ! , فعلت كما قال أنيس منصور ذات مرة فيما معناه : أحرقت منزلك كله من أجل التخلص من مجرد صرصار ! , فهل يُعقل ؟! , هل يُعقل أن تفعل كل هذا وتتسبب في كل هذه الجلبة وتُحدث كل هذه الضجة النفسية والعصبية والذهنية لك لمجرد .. نظرة مبدئية ؟! , نظرة قد تصيب وقد تخيب وبين الإحتمالين تقع في فخ الأبدية التي أقررت بها دون أن تحاول التمعن قليلاً للفصل بينهم وإصدار الحكم النهائي : أي النظرتين الفائزة ولمَ ؟ ..
وعكس ما حدث قد يحدث أيضاً .. والآن اعكس الصورة واخبرني ماذا ترى ؟ ..
ترى شخصية رأيتها الأفضل على الإطلاق , ترى الطيبة مُتمثلة على هيئة إنسان والعطف والرقي هما سمات حياته وفقط , ترى الإختلاف الذي لم تراه إلا فيه طيلة مشوار حياتك , وبكل معارفك وإتصالاتك البشرية لم تُصادف مثله بل وأخذت عهداً على نفسك أنك لن تُصادف مثله حتى مماتك ! , وكل هذا يعود لنظرة مبدئية أيضاً .. نعم في الحالتين هي مجرد نظرة مبدئية لم تتخذ مكانة أكبر أو تسمو لمرتبة اعلى حتى الآن , أنت فقط من اقررت بذلك وعليك تحمل كافة النتائج , سواء كانت نتائج مُرضية أو مُهلكة , سواء كانت نتائج إيجابية أو سلبية , سواء كانت نتائج تعود إليك أو عليك , هي نتيجة مصيرية وأنت من تحسمها والأمر كله يعو لــ .. النظرة الأولى ..
حتى الآن لم تصل لنظرة حاسمة حيال أمره !
تعرفه أشد المعرفة , تواصلكم كبير ولم ينقطع لحظة , تراه صباحاً ومساءاً , تشرب تفاصيل حياته شرباً ولا تمل من ذلك أو تشعر لحظة بأنك قد إكتفيت من الغوص في بحور حياته , وبرغم ذلك دعني أخبرك المفارقة الغريبة التي قد تُذهلك لدقائق : لن تستطيع أن تُحدد نظرتك الحقيقية له أيضاً !! .. فبرغم القرب الأشبة بالتلاحم إذا أردنا صحة التعبير , فأيضاً هو لايزال لغزاً غامضاً بالنسبة لك لن تجد شفرته التي ستفك الغموض في لحظة بسيطة , أوتدري ما السبب ؟ , سأخبرك ولكن أريد منك وعداً بجعل هذا السر محل إهتمام من عقلك دائماً , فإجابة هذا السؤال ستُطفأ نيران حيرتك حتى النهاية , الإجابة : كلاً منا يحمل بين ضلوعه جزءاً خفياً عن الأنظار , هو بمثابة السر الحقيقي الذي لن يقوى أحد على الوصول إليه يوماً , ولن يُخبره صاحبه لمخلوق مهما كانت درجة قربه منه , هو يوضح لك الجزء المسموح له بالظهور , الصورة التي لن تضره بشئ إن ظهرت للحياة بأكملها , صورة تحمل الخير والشر الذي يكمن في كل إنسان , بدرجاتها المُتعارف عليها , ولكن هذا الجزء المخفي يحمل أسراراً أخرى أكبر عن حقيقته وعن شخصيته " الأصلية " , فلا تعتقد أنك بأول نظراتك له ستتعرف على ملامح شخصيته وستحكم عليها بمنتهى البساطة , وإن حسبت هذا فكن على يقين أنك قد ارتكبت الخطأ الأكبر في تاريخك والذي لن تغفره لك الحياة , كن على يقين أخر أن الشخصية الماثلة أمامك هي ليست الشخصية الحقيقية , من تتعامل معه ما هو إلا صورة أولية لصورته الأصلية التي تقبع بداخل أعماق ذاته " المخفية عن الأنظار أتتذكرها ؟ " ..
والآن .. فلنفرض أنك أمام إختبار عملي , فكيف سيكون التصرف النابع منك ؟ ..
قد جاءت الحياة لك بصديق جديد , صديق لم تراه من قبل , وجاءت به لك لكي تجعله من رفاقك مقربين كانوا أو حتى مُهمشين , رفاقك على أي حال , فما عليك إلا أن تفعل الخطوات الآتية لكي تتجنب الوقوع في فخ ما ناقشناه :
1- القي تحيتك دون أن تُبالغ فيها , كما لو كنت تُلقي التحية على أهل بيتك ..
2- لا تكن كثير الكلام , دعه يحاورك ويُناقشك ويفيض عليك بمفاتيح شخصيته ..
3- ضع في عين الإعتبار أنه إنسان , ليس مُنزهاً عن الخطأ , وليس ملاكاً أيضاً , هو الخير والشر في نفس الوقت , فلا تجعله الأهم , ولا تجعله الأدنى .. " توازن " ..
4- لا تعتمد في نظرتك على ما يخرج منه من كلمات , بل من أفعال , فكم من اُناس كانت كلماتهم أشد جرحاً على نفوس من حولهم ولكنهم وقت الضيق تجدهم أول من يُساندك دون أي تردد , فاجعل الأفعال تطغي على صوت الكلمات ..
5- وأخيراً .. لا تمش وراء كل أمر وكأنه مُسلم به لا يحتمل التشكيك , فكر قليلاً فبهذا الفكر البسيط ستجد مسارات جديدة تتضح أمامك وبها لن تضيع أبداً .
التعليقات
نظرة لاتكفي ...
مقالة هادفة و ثرية بالنصائح و الارشادات الثمينة ...
مميزة حقا ..دمت مبدعة
أبدعتِ. في انتظار كتاباتك القادمة.