كانت عيناه في غاية الحدة ، تكاد تنطقان و تخبراك بأن هناك شيئًا غير عادي يحدث ، تجده في غاية الهدوء و السكون لكن ما إن مررت بمحاذاته لشعرت بأن الحرب ستُقام و أن العاصفة في طريقها إليك ، ثمة أمر غريب حياله تجعلك تنظر إليه، تراقبه بل و تتعقبه!
هكذا كنت اراه ، لقد انتابني شعورًا مختلفًا عند رؤيته منذ اللحظة الأولى ، اخبرتني عيناه بأنهما تكننان الكثير ، شعرت و كأنه يُخفي أسرارًا لا تعد و لا تحصى ، في الحقيقة لقد تطلعت نحو معرفة المزيد عنه ، اردت أن افتش عن حقيقته، ربما عيناه الحادتين ، ربما لأنني شعرت و كأنني رأيته من قبل أو لأنني قد انتابني شعورًا بالألفة تجاهه رغم أن ذلك نادر الحدوث معي!
كنت دائمة الحذر في التعامل مع الأشخاص ، دومًا ما أتوقع الخيبة أو الخذلان منهم و الحقيقة أنه لم يخيب توقعي أبدًا ، هذه المرة لم أتوقع شيئًا سيئًا على الإطلاق ، هل كان عقلي الباطن يتمني حقًا ما هو عكس طبيعتي ، لذلك كف عن العمل لفترة محدودة ؟!
يا رباه..لم أكن أعلم أن هذه الفترة قد تكلفني الكثير..ربما يعني ذلك حياتي ! ، يقولون حين يشاء القدر فلن تستطيع الفرار أبدًا ، يعمى البصر و يكف جهاز إنذارك المتمثل في قلبك و عقلك عن العمل، هذا ما حدث معي..لم أكن أتصور يومًا أنني قد أقابل قاتل محترف ، بل و أتعامل معه و الأسوء من ذلك و ذاك أن يُصيبني شعورًا بالتعاطف مع شخصه!
كان كل شئ على ما يرام في منطقتنا..يعم الهدوء و السكون كافة الآرجاء..ذلك السكون الذي لم نعد نعهده بعد الآن ، على كل حال أنا "الكسندرا بوتشي"، أعمل في حضانة بسيطة في حيينا ، يأتيني الأطفال كل صباح فنجلس في مقر الحضانة نقوم ببعض أنشطة التلوين و التعليم حتى الرابعة مساء ثم يعودون إلى منازلهم.
تبدو حياتي مملة لأي شخص ، هي كذلك بالفعل ، لكنني لم اطمح يومًا في تغيرها أو في إضفاء بعض الإثارة عليها ، لم أكن أعرف أنني سـأصادق الخطر و سأتعاطف مع الشر!
تعد الحضانة في حيينا هي الحضانة الأكبر في المنطقة ، لذلك هي ملتقى العديد من الأطفال و أولياء الأمور ، و لكثافة الأعداد لا تمتلك الحضانة العدد الكافي من المعلمين أو المتطوعين لمساعدة الأطفال ، لذلك كانوا يضطرون للموافقة على أى شخص يتقدم للمساهمة في أنشطة الأطفال ، جاءنا في يوم عاصف و ممطر ، ظهر ملائمًا لإدراة الحضانة حتي يجعلوه معلمًا ، لقد اعطوه الآمان..كما فعلت أنا في داخلي.
رأيته للمرة الأولى يتجول خارج الحضانة ، حينها شعرت و كأنني آلفه ، و عندما نظر في عيني شعرت بالريبة ، كان غريبًا و حادًا و على الرغم من ذلك وجدتني اتطلع لمعرفته ، لم أكن أعرف أن فضولي قد يتسبب في إنهاء حياتي ، على كل حال لم اتحدث إليه أبدًا.
مرت الأيام و الأشهر و أنا لا استطيع أن اكف النظر إليه ، لم احدثه أبدًا و لم يقول لي كلمة واحدة ، فقط كان يستمر في التحديق بي من على بعد ، هي تلك النظرة نفسها التي ينظر بها القاتل نحو ضحيته أو عندما ينتظر الأسد فريسته.
لم تخيفني نظراته ، بل على العكس زادتني فضولًا ، و في يوم من الأيام قررت أن أقطع ذلك الصمت الطويل ، سألته فجأة " هل تقابلنا من قبل ؟ أو هل أنت ممن يمتلكون العديد من المتابعين على وسائل التواصل ؟ أشعر و كأنني رأيتك من قبل" ، اجابني ب " لا على الإطلاق" ، نظرته كانت تقول عكس ذلك ، في الحقيقة إن كان للكذب عينين لكانت عيناه في تلك اللحظات.
رحلت و أنا سعيدة لأنني أخيرًا تحدثت إليه..بضع كلمات خير من لا شئ ، ظللت أنتظر بزوغ شمس اليوم التالي حتي آراه ، توهمت بأنه قد يأتي إلي و يسألني عن أي شئ ، تنميت أن يُحدثني في أي موضوع و لكنني وجدته يتجنبني ، ذلك اثار غضبي ، للحظات شعرت بالسوء تجاه نفسي و تجاه كرامتي و قررت أن اتجاهله.
و في أثناء عودتي للمنزل ، رأيت ما لم أكن اتخيله ، رأيته هو " ريتشارد إكسزوديا" يحاول التخلص من جثة ما في النهر!
حينها فقط شعرت بأنني قد أكون التالية..اسرعت لمنزلي ، اغلقت الباب جيدًا و تأكدت من أن جميع النوافذ مغلقة ، ذهبت لأحضر كوبًا من المياه ، فقد جف ريقي و تجمدت الدماء في عروقي ، و ما إن خرجت من المطبخ حتي وجدته جالسًا أمامي في الصالة..متكئًا على وسادة صغيرة و يقول لي : " ألم يكن من الأفضل لو أنكِ جاهدتي فضولك ؟!"
انزلق الكوب من بين يدي و كدت افقد الوعي من هول الصدمة و وجدتي بصوت هادئ عكس ما اشعر به في تلك اللحظات المفزعة أقول له : " من أنت..و كيف دخلت إلى هنا..هذه أشياء لا تهمني ، لكن قل لي هل التقينا من قبل ؟! إنني يجن جنوني منذ رؤيتك ، ثمة شئ ما يحدث بداخلي لا افهمه و لم اعهده من قبل ، تلك الضجة أنت لا تسمعها لكنني لا استطيع تحملها..هل ستجيبني ؟!"
اصابه ردي بالذهول للحظات ، ثم بصوت هادئ بدأ يقول لي : " حقًا ؟ أنتِ لا تتذكري ؟ لقد كنا..
-
ريم ياسرهنا ستجد الحقيقة دون تزيف أو رتوش. An old soul who missed her way to ancient times & stucked in our life