صورة الإسلام عند صادق هدايت - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

صورة الإسلام عند صادق هدايت

قراءة بسيطة في روايته 'البعثة الإسلامية الى البلاد الأفرنجية'

  نشر في 27 شتنبر 2019 .

إجتمع في مكان ما في 'سامراء' مجموعة من العلماء المسلمين والفقهاء البارعين من مناطق مختلفة من العرب وقرروا بأرادة قوية وعزيمة على غزو بلاد الأفرنج ونشر الدين الأسلامي الحنيف وتعاليمه في أمريكا وأوربا والعالم الجديد أو بلاد الكفر والإلحاد 'بلاد الأتازوني' كما يسمونها، من أجل هداية هؤلاء الكفار الى الصراط المستقيم وإنقاذهم من الظلالة.

هكذا تبدأ رواية (البعثة الإسلامية الى البلاد الإفرنجية) للروائي الإيراني صادق هدايت التي ترجمها غسان حمدان.

يطلق الكاتب والذي وظف نفسه كصحفى لإحدى المجلات في تغطية أخبار هذه الجماعة على هؤلاء العلماء أسماء فكاهية من أمثال : تاج المتكلمين، سكان الشريعة، عندليب الإسلام، خرطوم الخائف، سنة الأقطاب ...إلخ مما يعطي للنص الروعة الفكاهية التي يستحقها، كما يبدو سخرية الكاتب من هذا الموضوع وما إليه من رموز أخرى.

ثم يبدأ بعرض أفكارهم وخططهم التي سينفذونها عندما يحكمون العالم الجديد في حوار موسع أمام جمهور مهمته التصفيق فحسب، والذي يعطي صورة كاملة عن الإسلام الحديث الذي يتبعه بعض الناس والحكام والفقهاء الغافلين وهو بلا شك تحريف عن الأسلام الحقيقي وصورة مشوهة من أجل تحقيق مصالحهم لا غير.

يعتقد القارئ عند مطالعته لهذه الرواية أنه أمام نص يتهجم على الأسلام وينتقده، لكنه بطبيعة الحال لا يحمل النظرة العدائية بلهجة أو أخرى بل إنه ينتقد النوع الشائع بين البعض عن إسلام سياسي جائر، صورة اسلام متخلف، ودين يطمح لمكاسب أقتصادية بينما يحمل وجهة نظر متخلفة ورجعية

ومن تلك الصور البديعة التي ينثرها الكاتب في سطوره رؤية هؤلاء العلماء بأن الصيام يعدل الشهية، وهو مفيد لحرقة البول و 'الدوسنطاريا' . وتفكيرهم بهدم كل أبنية الكفار المرتفعة وبناء بيوت منخفظة من الطين.

وبالاضافة الى فرض الحج عليهم، والجزية، ومجالس الرثاء، وإرسال اباريق ليتطهروا بها بدلا من الورق، وحفر السواقي في الشوارع، وبناء مقامات للأئمة، وانشاء المساجد، أضافة الى أرسال جمع من فقراء 'سامراء' لكي يعلموهم التسول لأن الاسلام بنظرهم هو مذهب الفقر والذلة، وأعتقادهم بوجود قبر الإمام أبن عمة مسلم بن عقيل في 'الباريس' الذي سيكون مقرهم وعاصمتهم هناك.

والكثير من الصور الأخرى التي يرسمها الكاتب ببراعة في المخيلة والتي تشكل هذه الرؤية التي تغلب على المسلمين حديثا، كما نراها متجلية اليوم في بلداننا العربية ما يجعل الجميع يظنونهم أقوام همجية، بل ويقطع البعض الشك باليقين إن الإسلام دين يسعى للتخريب وانحطاط الامم وذلك نابع من الفهم الخاطئ للدين وقد اشار الكاتب ايضا في النص ذاته الى فرض اللغة العربية ليتلوا الكفار القرآن كاملا بالتجويد وأن لم يفهموا معناه ليست بمشكلة، وهذا الامر هو اساس التطرف والارهاب والهمجية التي يتبعها بعض الناس في الدين، ما يعني به أن القراءة الخاطئة للقرآن أو التفسير الحرفي له هو أساس كل الإرهاب الذي نعيش اليوم ويلاته

وفي البداية تظهر إن رسالة هذا النص تدعونا للتأمل في الدين وأدراك حقيقته والتساؤل عن مقتضياته الاساسية.

وبعيدا عن الرواية ذاتها والأفكار القيمة التي تحويها، يبدأ هذا التساؤل على سبيل المثال من كتاب للفيلسوف التونسي يوسف الصديق المؤلف باللغة الفرنسية وعنوانه "هل قرأنا القرآن"

وبالرغم من عدم قراءة المسلمين لهذا الكتاب حتى الآن لكن ما معنى أن يؤلف ويطرح مثل هذا السؤال بعد مضي أكثر من 1400 سنة على نزوله؟

هذا ومشاكل أخرى عانى ويعاني منها المجتمع الإسلامي كل هذه التساولات تثار داخل دوامة النص الذي كتبه صادق هدايت

وهو يطرح مثلا فكرة جدا غريبة عن اكتشاف العباءة يقول على لسان "السيد سكان الشريعة" انه جاء في كتاب "تأريخ العباءة" ل"مقراض النواسير" ان العرب عندما هجموا على الروم دخلوا مخزن الحبوب ووجدوا اكياس مليئة بالشعير ومن فرط جوعهم ثقبوا اسفل الاكياس وبدأوا يأكلون بنهم حتى وصلوا الى الأعلى أخرجوا رؤوسهم واطرافهم منها ومنذ ذلك الوقت أمست العباءة رائجة.

لكن وبعد وصول هذه الجمعية الى برلين أو "البر اللين" كما يسمونها تغير كل شئ، وأصبحت كل خططهم في مهب الريح.

معروف عن الروائي والمترجم الإيراني صادق هدايت الذي أنتحر في باريس عام 1951 عدائيته للاسلام نوعا ما وتمسكه بقوميته، رفضه لفكرة الفتح الأسلامي لبلاد فارس معتبرا ان هذا الفتح هو سبب الانحطاط والاندثار للثقافة الفارسية وسبب تخلف المجتمع.

صادق هدايت مؤسس الرواية الفارسية الحديثة والذي تغلب على كتاباته السمة العبثية والتشاؤمية وحب الموت يقدم هذا النص الروائي القصير الذي ينتقد تأريخ طويل جدا لمسيرة دين صارع التخلف وسوء الفهم منذ نشوئه، معالجا الصور السائدة عنه، وداعيا لأعادة النظر فيه.

ربما كان هذا النص الروائي القصير وكتاباته الأخرى هي التي لفتت إنتباه النظام إليه أو "الكماشات الإمبريالية"كما يصفه، لقمعه وتضييق الخناق عليه ولمنعه من السفر أخيرا لحضور احد المؤتمرات الدولية.

عندما يقرأ القارئ العربي رواية من هذا النوع فأن ثمة ثورة جياشة تتقد داخله، وهذا هو أحد الأهداف الأساسية للأدب

في عوالم خيالية استطاع هدايت أن يشتت الأفكار السائدة عن الأسلام وينزع عنه روح القداسة كاشفا عن حقائقه، وأستطاع أن يحدد للأدب رسالته السامية ويضعه كعلاج لجروح الأمة

لقد قدم الروائي والشاعر والمترجم العراقي غسان حمدان هذه الرواية الى اللغة العربية بترجمة بديعة ومبهرة عن اللغة الفارسية وقد ألحقها في نفس الكتاب بمسرحية من ثلاثة فصول بعنوان قصة الخلق وهي تكمل رؤية صادق هدايت في الدين الإسلامي بشكل موجز

إن الجرأة الموجودة في هذه الرواية غير مسبوقة من قبل كاتب إيراني بحجم هدايت أو مترجم عراقي مثل غسان حمدان الذي نذر قلمه في الادب والثقافة الإيرانية والأفغانية متعمقا في التراث واللغة الفارسية، وبأنتقاء مبهر.

وليقف القارئ العربي أمام روائع الأدب الفارسي ليعيد جدول قرائته بموضوعية حقة، أتمنى من القراء العرب جميعا أن يقرأوا هذه الرواية،  وأمثالها من النصوص  الادبية الجريئة ويصححوا نظرتهم حول دينهم.



   نشر في 27 شتنبر 2019 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا