اعلم رحمك الله، أن الجنّة محدّبة السطح، وعلى هذا فالجنّة إما تكون كروية أو نصف كروية، جزئها المحدب إلى الأعلى، وأهل الجنة يعيشون على سطحها.

ولها 8 أبواب بعضها بجانب بعض، بعد ما بين مصراعي كل باب بعد ما بين مكة وبصرى، والمسافة بينهما تساوي: 1280 كيلو متر.

"وأما ما ورد أن ما بين مصاريع أبواب الجنة 40 سنة فلا يصح، وروي هذا عن عتبة بن غزوان الصحابي، وعتبة لم يرفعه إلى النبي بل قال: "بلغنا" والصحابي إذا لم يصرح بالسماع من النبي، فهذا يعني أنه لم يسمعه من النبي، وقد تبين لي بعد البحث أن عتبة أخذ هذا القول عن عبدالله بن سلام رضي الله عنه، فقد روي هذا الخبر عن عبدالله بن سلام، مرفوعاً، والذي يظهر لي، أن هذا من أوهام الرواة، وأنه موقوف على عبدالله بن سلام، ومما لا شك فيه أن عبدالله أخذ هذا القول من كتب أهل الكتاب، لأنه كان عالماً من علمائهم، وكتبهم تعرضت لتحريف علمائهم وقصاصهم، فإن من عادة القصاص الزيادة في الأخبار، والتهويل فيها، يظنون أنهم بذلك يحسنون صنعاً، ويرغبون الناس أكثر، وهذا لا يجوز ولا يصح ولا ينبغي، كما أن الأحاديث التي ورد فيها أن عرض كل باب من أبواب الجنة، كما بين مكة وبصرى، أصحّ، والأحاديث إذا تعارضت، ولم يمكن الجمع بينها، وكان بعضها أصحّ من بعض، قدم الأصح"

والبعد بين كل بابان من أبواب الجنة، مسيرة الراكب 70 سنة.

والمراد بالراكب هنا، راكب الإبل، لأنها مراكب العرب.

"الراكب يقطع في اليوم مقدار 100 كيلو متر، فإذا قمنا بعملية حسابية بسيطة، يمكننا معرفة البعد التقريبي بين أبواب الجنة، وذلك على النحو التالي:

100 كيلو متر * 30 يوما * 12 شهرا * 70 سنة ويساوي تقريباً: 2,500,000 كيلو متر."

ومع أن أبواب الجنّة الثمانية بهذا العرض، وهذه الأبعاد، إلا أنه ومع ذلك تراها وكأنها بجوار بعضها البعض! لأن الله يعطي المسلمين قوة في الإبصار، تجعلهم قادرين على رؤية جميع الأبواب، وينادي خزنة الأبواب على المسلمين، فيسمعونهم، لأن الله يعطيهم قوة في الأسماع، يسمعون بها من على بعد سحيق، ويذهب المسلمون ليدخلوا من أبواب الجنة، ويقطعون تلك المسافات الطويلة في مدة قصيرة جداً، وكأنها قريبة منهم، ليس بينهم وبينها شيء!

والجنة مقسمة إلى 4 درجات رئيسية، وكل درجة تنقسم إلى 25 درجة، فمجموع درجات الجنة 100 درجة.

وبين كل درجة ودرجة مفاوز، عرضها كما بين السماء والأرض، والله أعلم، كم البعد بين سماء وسماء.

"الأحاديث التي ورد فيها ذكر مقدار البعد بين الأرض والسماء الدنيا، وبين كل سماء وسماء، ضعيفة، ولا تصح"

فأما الدرجتان الرئيسيتان العلويتان، فهما من ذهب، أوانيها وحليّها وما فيها.

وأما الدرجتان الرئيسيتان السفليتان، فهما من فضة، أوانيها وحليّها وما فيها.

والفردوس الأعلى هو أوسط الجنة وأعلى الجنة، ومنه تتفجّر أنهار الجنّة، فتسيل إلى درجاتها السفلى.

والفردوس أعلى منزلة في الجنة لا يبلغها إلا الصفوة من عباد الله تعالى.

وتربة الجنّة ليست كتربة الأرض الحمراء، بل بيضاء مخلوقة من المسك.

وفي الجنّة عيون الماء، فأما الدرجتان العلويتان، فعيونها تجري جرياناً، وأما الدرجتان السفليتان، فعيونها تنضخ بالماء نضخاً، والنضخ والنضح معناهما واحد، أي: ترشّ مائها رشاً.

وفيها البساتين، والغابات، وأشجارها شديدة الخضرة، من الريّ.

ولهم فيها ما يشتهون، من الفواكه واللحوم وغير ذلك.

وأطعمت أهل الجنّة، من الفواكه واللحوم، تشبه أطعمة أهل الدنيا في الشكل واللون، إلّا أنها ألذّ وأطعم.

وقصورها مبنية بالذهب والفضة، لبنة من ذهب، ولبنة من فضة، ومفروشة بأنواع الفرش، وفيها النَّمارق، ومفردها: نُمْرُقة، وهي الوسائد الصغيرة، وفيها الزَرابي المبثوثة، ومفردها: زُربي وزُربيّة، وهي البسط التي تفرش على الأرض للجلوس، والزَرابي، هي العبقري الخُضْر، وفيها الأرائك، جمع أريكة، وهي المقاعد المزينة المعدّة للجلوس والاتكاء وفيها الأسرّة الوثيرة.

وفي الجنة بيوت من قصب، لا صخب فيها ولا نصب.

وفيها خيام مبنية، وخيام الجنّة واسعة، طولها في السماء 30 ميلا، وعرضها 60 ميلا، للمؤمن فيها أهلون، لا يرى بعضهم بعضا.

ولهم فيها غلمان كأمثال اللؤلؤ المكنون، وجواري، لخدمتهم.

ولباس أهل الجنة الحرير ، من السندس والاستبرق ، ولونه أخضر.

ويحلون أساور من ذهب ولؤلؤ، لأهل الدرجتين العلويتين، وأساور من فضة لأهل الدرجتين السفليتين.

ولكل مؤمن مملكة خاصة، فيها قصوره وقصبه وخيامه وغلمانه وجواريه وبساتينه ودوابه وما اشتهت نفسه.

والمؤمنات لكل واحدة مملكتها الخاصة، وفيها قصورها وقصبها وخيامها وغلمانها وجواريها وبساتينها ودوابها وما اشتهت نفسها.

والزوج والزوجة يتزاوران، يزورها زوجها متى شاءت، وهي تزوره متى شاء، ومن تزوجت اثنين فأكثر في الدنيا، فيقال تخير بينهم، ويقال أنها تذهب لأحسنهم أخلاقا، ويقال أنها تكون لأخر زوج لها في الدنيا.

وإذا كان أحد الزوجين أعلى درجة من الأخر، فإما أن يرفع الله الأدنى منهما إلى مرتبة الأعلى كرامة منه للأعلى منهما، أو أن الأعلى منزلة هو من يقوم بزيارة الأدنى متى شاء، وفي هذه الحالة لا يستطيع الأدنى منهما أن يصعد إلى الأعلى، لأن الدرجة الأعلى محرمة عليه.

فأما أدنى أهل الجنة منزلة، فيعطى مثل مُلك مَلكٍ من ملوك الدنيا بخمسين ضعفاً، وله فيها ما اشتهت نفسه، ولذّت عينه.

وجاء في بعض الأحاديث، أن ملك أدنى أهل الجنة، مثل الدنيا عشر مرار، ولا يتنافى هذا مع ما ذكرناه سابقاً، فلعل راوي الحديث اختصر المعنى، فإن من حاز مُلك مَلكٍ من ملوك الأرض بخمسين ضعف، فكأنما ملك الدنيا كلها!

"نظرت إلى أشد الناس ثراءً في الدنيا، فوجدتهم آل روتشيلد، حيث أحصيت ثروتهم بما يقدّر بـ 500,000,000,000,000 أي: خمسمائة بليون، فإذا ضربت هذا العدد في خمسين، كان الحاصل يساوي: 25,000,000,000,000,000 أي: 25 بليار. فقلت: لعل هذا هو حجم ثروة أدنى أهل الجنّة منزلة!"

وأما أهل الفردوس الأعلى، فأولئك الذين غرس الله كرامتهم بيده، فلم ترى عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر.

وأهل الدرجة العليا يستطيعون النزول إلى الدرجات التي أسفل منهم، وزيارة من هو مثلهم في الدرجة أو دونهم، ولكنهم لا يستطيعون أن يزوروا من فوقهم، حتى لا يروا ما هم فيه من فضل عليهم، فيرى الأعلى فضله على الأدنى، ولا يرى الأدنى فضل الأعلى عليه. 

وبين درجات الجنة حدود لا يستطيع من في الدرجة الأسفل أن يتجاوزها إلى الدرجة الأعلى منها، لهذا فأهل الفردوس الأعلى يسيرون في الجنة حيث شاءوا، وأما أصحاب أدنى الدرجات وأسفلها فلا يستطيعون أن يصلوا إلى أي درجة أخرى بل هم في درجتهم، وهم في خير عظيم، يظنون أنه ليس هناك من هو أفضل منهم، ولا أحسن وألذ وأطيب عيشاً منهم، لسعة ممالكهم، وكثرة خيراتهم.

اسأل الله عز وجل باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب أن يجعلنا وإياكم من أهل الجنة وأن يعلي درجاتنا وأن يجعلنا من أهل الفردوس الأعلى بمنه وكرمه وجوده ونحن في عافية من أمور دنيانا إنه ولي ذلك والقادر عليه.