الموظّف السّاذج .. والمشعوذ الممسوس (4)
من الواقع
نشر في 05 يونيو 2024 وآخر تعديل بتاريخ 06 يونيو 2024 .
يقول (هشام) إنّه لم يسل قطرة ماء على بدنه منذ شهور وربما أعوام. ومع ذلك يعتبر نفسه أنظف من سائر البشر، وأطهر من الماء ذاته. ويقول أيضا إن كلمته ليس بينها وبين الله حجاب، وأنّه يصلّي صلاة مختلفة لا تشبه صلاة هؤلاء ”المنافقين“، وأنّه أُبيح له ما حرّم الله على غيره.
وبدأ الشكّ يتسلّلُ إلى قلبي، وأدركتُ من هو هذا الذي حزبني أمره في بداية معرفتي به، وأردتُ أن أرفع عنه الغبن والظلم؛ ظلم زملائه له، وتأكّد لي ممّا لايدعو للشك، من أنّني أتعامل مع ساحر مجرم وخطير.
هذا الذي يصلّي بلا وضوء ولا يصوم، ويملك أسباب الرّزق، ويعلم ما يدور في عرش الرّحمان من أسرار، ويستبيح الحدود كونه واحدا من الأقطاب… ثم يريد إقحامي في عالمه المحفوف بالمخاطر.
بات لزاما عليّ أن أبحث عن طريقة تحرّرني من هذا المجرم اللّعين؛ من دون أن يشكّ في رغبتي التملّص منه وقطع علاقتي به، إذا أردتُ أن أسلم من شروره. وليس من السّهل الإفلات من هؤلاء الأشرار إذا ما أحكموا قبضتهم.
بقيتُ أحافظ على نفس السلوك معه؛
ألقاه بوجه طليق، وأحاول تلبية طلباته قدر الإمكان. وأعدّ الدقائق واللّحظات؛ دقيقة بدقيقة، ولحظة بلحظة، من كثرة ما بتُّ أخشى على نفسي، منه ومن شروره المحتملة.
ولكن بعد ماذا؟
وقد غدوتُ أنا الآخر أبحر في عالم مملوء بالغرائب والأسرار؛ مع أعراض المسّ التي أخذت تفوح منّي، ومع كثرة الاعتقاد في الأضغاث و الأوهام. ودفعني الخوف والحذر إلى اقتناء أصناف الكتب؛ بما في ذلك تلك التي تحذّر من السّحرة والمشعوذين، وتعرّف بعالم الجن والشياطين.
حاولتُ التقيّد بكل ما جاء في تلك الكتب من نصائح، ولم يكن ذلك ممكنا ولا كافيا؛ مع طبيعة العمل وظروف الحياة؛ فأنا أعيش في وسط مشبوه وفي مجتمع متواطئ مع هؤلاء الأشرار؛ وسط لا تعرف سرّه، ولا يعكس ظاهره باطنه.
وألفيتني ذات ليلة أنزل ضيفا على رئيس مصر وعقيلته، وصرتُ أتجوّل كل ليلة تقريبا في عالم لا يبخل عليّ بالمعلومات والأسرار، ولم يكن ذلك بإرادتي. وبدأتُ أشكّ في انتمائي إلى هذا العالم السفلي. واستسلمتُ بعض الشيء إلى ما يقوله الدّركي عن هؤلاء ”الأقطاب“ الذين:
”يصلّون بلا وضوء، ولا يصومون. ويحجّون وقت ما يشاؤون، ويراهم الحجيج حول الكعبة وهم يطوفون. و تحوم أرواحهم حول العرش، ويطّلعون على ما في الغيب من أسرار.
يتبع..