اذا رجعنا بالزمن للوراء الي ما قبل الاربعين او الخمسين عاما الماضية ،فإننا -بلا شك- نجد حياة اخري غريبة حقا عن تلك التي نعيشها الان ،حياة اذا حاولنا الان تخيلها لتسارع الي ذهننا مدي الكآبة والملل الذي كان يعتريها ؛ ولطالما كنت اتساءل كيف كان آباؤنا يعيشون حياتهم -المملة تلك- بدون وسائل التواصل الاجتماعي التي نقضي عليها الان حياتنا ،كيف كانوا يستمتعون بأوقات فراغهم دون الاستمتاع -المزيف- بتقليب صفحات المواقع والدردشات.
ولكننا حين نمعن النظر نجد انهم -آباءنا واجدادنا- كانوا يعيشون حياة اقل ما توصف به انها حياة حقيقية لا زائفة كتلك التي نعيشها.
كانوا يقضون اغلب يومهم في الخارج ؛يتعاملون مع مختلف اصناف والوان الناس الطيب والخبيث والصالح والفاسد ، فكانوا بذلك يكتسبون خبراتٍ من الحياة لم تُدَّرس في المدارس او الجامعات .كانوا بحكم وجودهم طول اليوم في الخارج يشاهدون المشكلات وهي تُحَل فيكتسبون بذلك قيم عظيمة وقدرة علي حل مشكلاتهم التي ستواجههم -لا محالة- مستَقبلا.
واني لأُشفق حقا علي جيلنا الحالي ،ذلك الجيل حبيس المنزل ،بل حبيس الغرفة ،بل حبيس شاشة صغيرة نجلس عليها طول اليوم ؛أنَّي لهذا الجيل ان يكتسب تلك الخبرات اللازمة لمواجهة مشاكل الحياة مستقبلا ،أنَّي لجيلنا الحالي ان يتعلم كيف يتعامل مع الناس ويكشفهم -هذا صادق وهذا كاذب ،هذا طيب وهذا خبيث-
حقا في حياتنا الان فصول كثيرة ناقصة لتأهلنا بعد ذلك لمواجهة الحياة ،فكيف لتلك الشاشة التي نجلس امامها ان تشرح لنا معانٍ وخبرات لا يمكن ان تُكتسب دون التعامل مع الناس ،والوقوع في مشكلات كثيرة ،لتؤهلنا بعد ذلك لمقاومة الحياة ،حقا إن هذه الشاشات وما بها من مختلف مواقع التواصل تسجن جيلنا الحلي سجنا ابدي..