السعودية ومحاولات تجاوز معيقاتها - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

السعودية ومحاولات تجاوز معيقاتها

هيام فؤاد ضمرة

  نشر في 03 يناير 2019 .

السعودية ومحاولات تجاوز معيقاتها..

هيام فؤاد ضمرة..

كل العيون في هذه المرحلة تشخص نحو المملكة العربية السعودية بكثير اهتمام وأكثر دهشة، أولاً لأنها عربية تعد الأكبر مساحة، والأعظم غنى، وسعة مال، ومصدراً مهماً للطاقة، ولأنها تتصدر المشهد العربي ككل وتحرك عصاة سحرها باتجاه دولها من باب تسنم القيادة العربية،

وثانياً لأنها وجدت نفسها مجبرة على إحداث التغيير في بلدها وبين أبناء شعبها ومن ثم بمواقفها غير التقليدية نحو قضية فلسطين ومشروع ترامب بصفقة العصر، وخلق مساحات أوسع من الحقوق الإنسانية، وإظهار مواقف أكبر لاستعراض القوة، والتقدم بمشاريع حضارية تتوافق وهذا التسارع الحضاري الهائل الحاصل في كل العالم وبكل الميادين، وبالتالي فهي تعد دولة ذات ثقل دولي كون المال في هذا الزمن يلعب دوراً متقدماً في كونه الركيزة الأساس في تموضع السيادة والقيادة والحضارة،

وثالثاً لأن السعودية كان قد توقف تقدمها الفعلي حضاريا وحقوقياً ردحاً من الزمان، في حين حقق العالم الكثير جداً من خطوات التقدم، وبات البون شاسعا بين الدول المتقدمة علميا وعسكريا وحضاريا؛ والدول التي توقف بها الخطو مقتصراً على التقدم في الجانب العقاري، مع تحولها إلى دول مستهلكة تبدد الثروات، مع انتفاء وجود مستوى عال في الصناعات الثقيلة وصناعات السلاح وتطويره، والتقدم بالعلوم العلمية والإنسانية، وظلت السعودية رغم ثرائها الهائل تغوص في الدرجات الدنيا من التحضر بشتى المجالات.

السعودية اليوم تُقبل على مرحلة القفزة الهائلة العالية في الفضاء الحضاري لتحقق التغيير المثير الشامل والسريع، وقد ظلّ يتناوب على حكم المملكة ملوك طاعنين بالسن، يعانون الضعف العام من آثار التقدم بالسن، وعدم القدرة على الانطلاق خارج حدود الحلقة الضيقة التي وضعوا أنفسهم وشعبهم فيها، من خلال ممارسة القيود المتشددة والأفكار المتعصبة المتصلبة، وانعكاسها على العامة مما اعتبرت فيما بعد سبباً وجيهاً في ولادة فكر التطرف،

وكانت السعودية عانت ردحاً طويلا من الزمن من حالة الكبت وخنق الحريات، تمارس قوانيناً لا تتواءم وخطوات تسارع العصر، كمنع وسائل الترفيه الايجابية لأفراد الأسرة كافة، ومنع الأندية النسائية، ودور السينما، ومنع النساء من العمل، وتقييد حرية سفرهن ومنعهن من سياقة السيارة، وعدم إطلاق حريات التعبير عن الرأي وتكميم الأفواه، وتعميم حالة الفراغ الفكري، والتوقف عن اطلاق حدود طاقات الإبداع والإنتاج، مما أوصد بوابات سد الحاجات المعاصرة للفكر الإنساني ومتطلباته الطبيعية، وعدم الاهتمام بشؤون الثقافة وتوسيع دائرة المعارف، وعدم تطوير الفكر بعمومه والإبقاء على شكله التقليدي رغم ما داخله من أفكار غير موضوعية لا تتراكب والتقدم العلمي الذي أحدثته ثورة العلم في العالم.

وبدت عملية التبصير عبارة عن ثورة عارمة لاجتثاث الفكر المنحرف وترسيخ المفاهيم الدينية بمعناها السليم لانعاش فكر العقل المنفتح الفاعل الذي يحارب الغلو والتطرف المقيت، والتحصن ضد كافة الأفكار الرجعية المغالية، وتقويم الاعوجاج بمقارعة الحجة بالحجة وفرد البراهين منعاً للمجدفين بعكس التيار من فرض رؤاهم، مما يترتب عليه من تداعيات جسيمة أبرزها الانحراف الفكري.

حقا ما زال الوقت مبكرا لتوقع حجم التغيير شكلاً وموضوعاً، فحتى أنّ كلّ المؤشرات التي ظهرت والتي ستظهر لاحقاً لا ينبغي الحكم المتسارع عليها، فالعملية برمتها من المفترض أنْ تأتي متدرجة، مع حسبة موقع الأقدام بكثير حذر وكثير تأني، رغم أنّ التأني معرقل لعجلة التسارع المأمولة،

ورغم كلّ هذا فإننا في كل يوم نتلقى مظاهر تسارع في الانفتاح في جوانب جانبية شكلية لا علاقة لها بالتقدم الايجابي تفوق المتوقع، وتتجاوز حدود الحذر والرويّة في نوعية هذا الانفتاح، كالانفتاح على الحفلات الفنية الصاخبة في استقبال العام الميلادي الجديد وهي محاولة غير مسبوقة تعتبر اختراقا هائلا لقيم البلد لمنع السعوديين السفر للاحتفال خارجها، وهذا بحد ذاته يشكل مخاطرة جسيمة قد تثير الحنق، وتتسبب بثورة عارمة، حقا هي الآن مكتومة في الصدور لدى شريحة عريضة، لكن هناك خشية أكبر حين انفجارها يصبح علنياً، وهو ما يُخشى حقيقة منه.

فالهرولة التي باتت السعودية تمارسها قد يكون لها هناك ما يبررها فيما لو كانت باتجاه تطوير الجوانب الضرورية في الحياة كالاقتصاد والعلم والصحة مع انفراج تدريجي في الحقوق الانسانية بحيث تتماشى مع التقدم بالخطوات

وربما ما نشهده الآن من القفز الصارخ نحو حفلات الفن وارتخاء القيود على العامة وخلافه، يجري للتغطية على أحداث أخرى برزت هي الأخرى كثورة البركان الهائج وانشقاق قمة جبل عالية، كمثل قضية مقتل الصحفي السعودي خاشقجي في قنصلية بلاده في تركيا، حيت امتد أثرها المجلجل كثيراً لدرجة أن طال مسألة الإقبال على تحقيق ببرامج التنمية الإجتماعية والإقتصادية، وعطّل على الحكومة عملية تسويق المشاريع الاقتصادية في بناء المدينة الجديدة (نيوم) التي كانت القيادة السعودية بدأت الإعداد لها حسب التصورات القائمة في ذهن المسؤول الرئيسي ولي عهد المملكة، فهل كان مقتل الصحفي سيحقق مكاسب من أي صنف؟ إذن ما أسباب ارتكابها وما الأثر الخطير الذي كان سيتركه خاشقجي على المملكة فيما لو ظلّ على قيد الحياة؟

فهل تمارس السعودية عملية تغيير ثوبها أم عملية تغيير هويتها؟ فلست أظن أنّ كل ما يجري على أرض الواقع في الوقت الحالي مجرّدُ ضربٍ من العبث، إنما ما يتخذ من قرارات في العادة يتخذ بناء على خطة تم تجهيزها واتخاذ رؤية مكتملة فيها بحيث تتوافق مع آليات التغيير وفق منهجية متفق عليها تم بحثها ودراستها ووضع تصور لنتائجها.

فعلى سبيل المثال حين جرى اتخاذ قرار تعيين تركي آل الشيخ رئيسا للجنة الترفيهيه، وهو حفيد الشيخ محمد عبدالوهاب مؤسس الحركة الوهابية في السعودية التي تبناها آل سعود كمرجعية دينية للحكم على ما ينوف عن مائة عام، فقد كان يراد من ذلك تحقيق ذلك التأثير السلس الوقع على فئة السواد الأعظم من المواطنين السعوديين، بأنّ هذا التغيير لا يتعارض والرؤية الدينية وأنّ المنع السابق لم يكن يتوافق مع فطرة الإنسان الذي يحتاج لأجواء الترفيه ليخفف من وطأة ضغوط الحياة على أعصابه، فحين يأتي القرار من حفيد محمد عبدالوهاب شخصياً فسيحصل للوقع حالة امتصاص يخفف الصدمة ولا يثير ثائرة العلماء الدينيين الذين باتوا هم الآخرين حذرين جدا من اتخاذ أي دور معارض حتى لا يكون مصيرهم نفس مصير العلماء المحتجزن، فلن يكون القرار بطبيعة الحال كمثل أن يأتي بحجم مماثل فيما لو اتخذته شخصية أخرى من عموم الناس.. واختيار موقع مدائن صالح قرب المدينة المنورة لإقامة حفل الفنانيين اللبنانيين يحقق مفهوم أن لا قداسة للأماكن في المفهوم الجديد.

هذه البدايات التي باتت عليه المملكة العربية السعودية اليوم، فبأي صورة ستكون عليه النهايات؟.. وهل يبقى علم المملكة العربية السعودية يحمل عبارة التوحيد في المرحلة القادمة؟.. واضح أن السعودية تشرف على زمن غير زمنها، وعالم يُشرِّع كافة الأبواب على عالم معولم متنوع الثقافات مختلف تماما عن عالمها، وستخلع عباءة المشيخة لترتدي ثوب حضارتها المزركش وفق أكبر الصيحات العالمية.

الخطة الاقتصادية القادمة للسعودية ستكون مهولة التكلفة مهولة الحجم والانتاج، فالمملكة تمتلك مساحات شاسعة من الأرض، وشمس ساطعة أغلب أيام العام، مما يؤهلها لإقامة أكبر محطة توليد كهرباء في العالم من الطاقة البديلة، يتوقع أن تكون المحطة بحجم جزيرة قطر بمرة ونصف، وبوفرة انتاج هائلة ستوفر الكهرباء بأرخص الأثمان وقد يصدر منها لدول مجاورة،

وسيتم توفير كافة عناصر السياحة ومشاريعها وبرامجها لدعم الاقتصاد الوطني من خلال تحويل السعودية إلى وجهة سياحية اقليمية وعالمية على درجة عالية من الجذب.. والقادم من المشاريع السعودية ما هو يفوق التصور، مما يضع أهل السعودية في حالة انتظار متشوق.


  • 2

  • hiyam damra
    عضو هيئة إدارية في عدد من المنظمات المحلية والدولية
   نشر في 03 يناير 2019 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا