بيت فؤاد ٢
الحب .. لا يكفي وحده لأن يكون الملجأ من صدمات الحياة، لكن الحب هو المتنفس الوحيد الذي يمكننا أن نهرب إليه من زحمة الحياة ..
نشر في 22 يوليوز 2018 .
أعطيتها كل شيء كان يخص "فؤاد" لكنها رفضت أن تأخذ من أثره أي شيء، قالت بأنها لا تستطيع أن تحتفظ بصوته داخل أسطوانات وصوره على ورق. لقد انهارت بشدة عندما علمت بأنه مات. لم أكن أدري أنه من الممكن لإنسان أن يحتفظ بوفائه لشخص ما أكثر من سبع سنوات .. رحلت منكسرة، ودعتني والدموع تجري من عينيها!
" فقدنا كل ما يربطنا .. لكننا لم نفقد يوماً الحب".
"والحب وحده لم يكن يكفي .. لكننا بعد أن افترقنا أدركنا أننا تأخرنا كثيراً، وأننا فقدنا الطريق الذي كنا نبحث عنه، اعتزلنا .. بقينا على الحب والصمت، لكننا لم نتصل بعدها وهذا كان الوعد الذي قطعناه عندما ودعنا بعضنا البعض .."!
كانت من أكثر القصص التي أثارت فيني الدهشة، كيف لاثنين أن يفترقا وهما ما يزالان على قيد الحب. أليس ربما هذا الذي قتل "فؤاد" حسرة؟!
أردت أن أستمع إلى صوته مجدداً وهو يروي قصتهما، لكنني تذكرت قولها بأنها لا تستطيع أن تحتفظ بصوته على أسطوانة، لأن ذاكرتها لا تريد لهذا الصوت سوى أن يبقى حياً.
كان كل شيء "ببيت فؤاد" ما يزال حياً يذكرك به، بكل لمسة خاصة وضعها، تساءلت من سيسكن البيت من بعده وهل سيكون وفياً لذكريات هذا المنزل.
كنت أسهر فيه لوقت متأخر أجلس بصمت على الأريكة أراقب طيفه حيث كان يجلس دوماً، أسمعه وهو يتنهد في منتصف القصة :" كل يوم بفيق يا رفيقي وبركد ع التلفون لشوف إذا اتصلت فيني .. مر أكتر من سنة وأنا بدل ما أنساها عم بتذكرا .. كنت مريض فيا .. بغار عليا من خيالي.. بكرها بجنون بس فكر أنها قابلت حدا تاني .. ولما بحن إلها كتير .. كنت أكتب غنية وقول بيني وبين حالي بكرة بس تتصل بدي غنيلا ياها .. بس ما اتصلت.!"
سألت طيفه لماذا لم يتصل فابتسم.
كانت غرفة نومه ما تزال كما تركتها منذ أكثر من سبع سنوات، حتى زجاجات عطرها كانت ما تزال على الطاولة وكل الأشياء التي تنتمي إليها حتى ملابسها كانت ما تزال بالقرب من ملابسه. وكأنها لم تتغير من بعده .. عندما فتحت زجاجة العطر وشممتها كان نفس العطر الذي تضعه، حتى هندامها كان مستوحى من نفس الملابس التي كانت في المنزل.
كان "بيت فؤاد" قصة لم أعرف لها بداية ولا نهاية، كما كان "فؤاد" الذي حتى بعد وفاته كان كل شيء في حياته كأنه ما يزال على قيد الحياة .
كان يقول دوماً "الحياة ما بتوقف ع حدا، عيش حياتك وانبسط بكل لحظة. إذا كنت طالع سيران وانتزعت سيارتك اضحك .. امشي ع أقرب محل واخترع بسطك وكمل سيرانك وأجرك بالسيارة يا صاحبي .. المهم ضحتك"!.
"المهم ضحكتك". التي ما تزال تعيش بين الجدران، على صورك المعلقة .. بين صوتك الذي حفظته ولم أنساه. لا أحد يقدر متى سيموت .. لكن من الصعب جداً أن تدخل إلى منزل أحدهم وتجده قد فقد .. تجد الحياة ما تزال تنتظره في منزله .. عوده ما يزال مستلقياً على الطاولة منتظراً يداه .. وآل التسجيل منتظرة صوته، أزهاره تنتظر أن يسقيها، والطيور التي اعتادت على زياراته .. حتى الجيران الذين كانوا يمرون من أمام باب منزله ويمررون أصابعهم عليه .. ينتظرون عودة "فؤاد" .. لكن "فؤاد" مات ..
- يتبع -