بيت فؤاد ١
لا يمكن لأحد أن يشعر بما تحس به مهما كان قريباً منك .. وحدك من تستطيع فهم ذلك الشعور الغامض ..
نشر في 17 يوليوز 2018 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
كنت أستطيع في كل مرة أكون فيها "ببيت فؤاد" أن أسمع صدى صوته بين الجدران، وهو يغني وهو يعزف وهو يتحدث، كان له صوت مميز ورنة صوته التي لن تفارق مسامعك لمجرد أن تسمعها فقط لمرة واحدة.
فؤاد مات .. توفي قبل سنتين، أصيب بمرض السرطان الذي قضى على حياته خلال أقل من عام. ذلك الشاب الثلاثيني غادر الحياة وهو يوصي بأن لا يبكي على وفاته أحد.
أذكر تماماً المرة الأخيرة التي زرته فيها كان الطبيب يحاول إقناعه بالعلاج الكيميائي، غصصت عندها بالدموع فربت على كتفي وشد عليها بيده التي فقدت قوتها وقال لنا وهو يبتسم :" العلاج ربما يعطيني المزيد من الوقت .. لكنه سيجعلني أرى دموعاً أكثر". عندها خرج الطبيب الذي كان على وشك أن يشاركني دموعي وحزني التي حاولت جاهداً أن أخفيها، عندها أمسك بعوده وقال لي :" ربما لم يعد صوتي بخدمتي وأصابعي خانتني لكن .. تذكرني دوماً على هذه الصورة". ثم طلب مني أن ألتقط له صورة بهاتفي المحمول وقال لي :" أريد كل من عرفني أن يرى صورتي الأخيرة وأنا ما أزال كما أنا، بشعري الطويل الكث، وذقني العشوائية وعيوني تلمع حباً وشغفاً، والأعمار يا صاحبي بيد الله فلا تحزن على قراري وصلي لي أن أرحل لمكان أفضل".
بعدها بثلاثة أيام اتصل بي الطبيب ليخبرني أن "فؤاد" مات. "فؤاد" لم يكن صديقاً مقرباً، عرفني عليه أحد أصدقائي القدامى وكنا نمضي سهرة الخميس عنده نستمع إلى صوته الشجي ونحي معه أجمل الليالي، فذلك الأنسان كان يرفض أن يستغيب أحد في منزله، أو أن يذكر شخص بالعاطل أمامه حتى لو لم يكن يعرفه، كان يقول دوماً كما لو أنه كان يستشعر موته القريب البعيد: " أريد لمن يدخل هذا المنزل من بعدي ألا يسمع سوى لصدى الشعر والموسيقا".
وهذا حقاً ما حصل، عندما قرر أخاه أن يبيع المنزل فهو لم يكن يستطيع أن يدخله بعد أن غادره صاحبه وطلب مني أن أشرف على إعادة ترميم ما كان معطلاً، عندما وافقت على العرض لم أكن أتخيل بأنني سأصاب بهذا الكم الهائل من الاكتئاب والصمت.
عندما كان شبان الورشة ينتهون من العمل ويرحلون ابقى وحيداً، اضع أحد التسجيلات ل"فؤاد" واستمع إليه، وأنا أنظر إلى الزاوية حيث كان يجلس دائماً أراه وهو يحمل عوده ويدندن أجمل الموسيقا، أراه وهو يعطي تلك الابتسامة الجانبية الرقيقة، أتذكر حديثه المضحك وشعره الحزين، أتذكر تلك القصة التي كان دوماً يرويها على أنها من وحي الخاطر وليست حقيقية، كنت حتى هذا الوقت أصدقه .. حتى رأيت صورتها في غرفة نومه مصادفة، فأدركت أن بطلة الشعر والحكايا لم تكن مجرد خاطرة بل كانت الشخص الذي جعل "فؤاد" على ما هو عليه.
قررت ذات يوم أن أكتب لها على العنوان الذي كان موجوداً في أحد دفاتره القديمة، كنت أريد أن أطلب منها أن تزور قبره، أن تأخذ تسجيلاته التي كانت هي الوحيدة من استحقها فعلاً...
وقابلتها ..
التعليقات
كانت قصة رائعة أنتظر الجزء الآخر .