أتساءل دوما كيف يذوب الحرف في رأس ريشتي من حر الصيف فلا يجمد له قوام؟ ثم أسأل كيف ولد الشعر العربي حرا في هجير الصحاري بشبه الجزيرة العربية؟ هنالك ولد أعذب الكلام وأروعه من أرض صلبة صلتة، وحر لايطيقه البشر.. ثم أسأل وكيف ولد المليون شاعر في صحراء موريتانيا؟.. وكيف انبلج الشعر النبطي في بادية الشام والعراق ..؟
هل كان الحر هو السبب؟ أم أن صمت الصحراء وسحرها هما أبواه ؟ نعم فالهدوء هو ركيزة التأمل . صوت الصمت ذاك كفيل بأن يسل آلاف الأبيات من قريحة شاعر .. ويسح البيان في مخيال كاتب . لكن السؤال يبقى ماثلا : ماذا عن الحر ؟ كيف يجمد كائن مرهف لطيف رقيق كالحرف وسط الهواجر والبوادي و القبلي الناري والكثبان المشتعلة ؟ كيف يفلت من سهام الشمس الصلفة الحارقة ويتمثل كأسطورة شعرية بارعة الفتنة والجمال؟!
هنا لا يطل الحرف برأسه إلا وسط الثلوج والأمطار ، يتدفق سخيا، لكأن سليقته من هطل المطر أو زفر الرياح . لكأن عنفوانه منسوج من قطن الغيم وجدائل السحاب .
لحرفي مزاج متوسطي هادئ ومتقلب في بعض الأحيان، مضبوط تماما على سحنة السماء ووجه الشمس ، إن أشمست لُجم وإن غامت أحجم، وإن عبرت قوافل الغيوم بنسائم الخريف أطل وتكلم ، وإن هاجت وماجت وأمطرت وأرعدت وأبرقت ، اهتز وربا، وتشظى وانتثر ، وتساقط رطبا جنيا، وسرح ومرح وتمرغ في أطيان الشتاء و تلفع بزمهريره ..
أعترف أن لحرفي طباع السمندل الأمريكي ، ينتعش شتاء ويسبت صيفا بخمول الدببة القطبية .. حرفي كائن متوسطي مرهف شفيف وإن لم يطاول جمال الشعر و حلاوة الأدب .. تسكن أوصاله رطوبة الشتاء وتغمر مفاصله أساطير الليالي المرعدة المزبدة .. إنه سليل العنف الشتوي لا مراء ..! لا يحب أن يولد إلا كأسطورة يجللها ومض المبرق وهزيم الرعد ، فعجل أيها الشتاء ! عجل قبل أن يطول الإغفاء و يتحول السبات إلى موت محتوم لا حياة بعده .. فظمأ الحرف كظمأ الماء ليس بعده سوى الهلاك ..!
#فاطمة
-
فاطمة بولعناناليوم حرف وغدا حتف