في مُنفرِدتي، يراقبني الهدوء في صمت عجيب ..وأنا أضيف اللمسات الأخيرة على روتيني.. فأبدع فيه بكل المقاييس ليغدو روتينا جديدا معدلا ببراعة ...صرت على هذا الحال منذ أن تشاركت نفس القدر مع العالم، أحمق هو من لم يرى بعد كم أن الحياة تتقن فن السخرية ببراعة ..ربما أكون أول سجين يتنفس الحرية داخل زنزانته...سأكون كاذبا إذا قلت بأنني لم أفكر يوما وأنا أعتصر القضبان الحديدية بكفي، كيف يمضي ذلك القاضي الظالم أيام حجره الصحي هذا، إنني لأتخيله يعض على شفتيه من الغِبطة كلما تذكر بأنه وحيد ببيت قارب على أن يتهاوى على رأسه عقب إنهيار زواجه ..لكم أن تتخيلوه وهو لا يجيد الطهو في زمن أُُغلقت فيه كل المطاعم... كيف سيتفاخر بسيجارته الإيطالية المستوردة في زمن أغلقت فيه المداخل والمخارج؟ . سأدفع روحي ثمنا لو امكنني رؤيته يتخبط في بيته وهو يتألم روحا وجسدا !

حاقد أنا على رجل أفنى عمره في فناء الآخرين (عدالة يتخللها ظلم مميت).

يأخذ رشوة من هنا و يدفع ببريء الى الهاوية من هناك .

أتى زمن أتشارك فيه نفس المصير مع من تجاهلوا ما وراء القضبان ..غير آبهين أيوجد هناك إنسان أم قطعة سكاكر أم جرذ ميت!!! في الحقيقة يوجد في الخارج الكثير من الجرذان الجائعة أكثر بأضعاف من الداخل..مجتمع في جوفه شمعة منطفئة منذ زمن طويل.

وفجاة أصبحت الحرية مُهدِّدةٌ للحياة ، الأمر مثير للضحك أليس كذلك؟

لقد صار لي الحق في أن أصير السجين الذي دافع عن وطنه بدخوله السجن وعدم مغادرة زنزانته، لي الحق في أن يخلدني التاريخ ..لكن التاريخ سيخلد قاضيا مُطَلّقا مات وحيدا، بعد أن أبدى مهارة في أن يَزُجّ بالسجن أكبر عدد ممكن وغير ممكن من كل ما حطت عليه يداه وخطر على فكره.

فيما مضى كنت كل ليلة أبدع و مخيلتي في أبشع طريقة يمكن أن يموت بها ذلك النذل ..تخيلت أن يؤنبه ضميره فيشنق نفسه حسرة على أفعاله، او ربما يحترق بسبب مس كهربائي بل ومن شدة حماسي تخيلت أن يلتهمه قرش عملاق أثناء سباحته في مسبحه.. مخيلتي تعشق السباحة كثيرا هذا أمر قد إعتدت عليه منذ زمن طويل ..لكنني لم أفكر ولو لمهلة بأن وباءاا سيظهر فجأة!!! ...شيء دقيق تسبب في بقاءه في بيته قسراا ليعيش ولأول مرة لحظة حقيقية مع نفسه ...هو لم يستحمل، والحياة لم تتشبث به .

ما يسميه أصحاب العلم والوزرة البيضاء وباءا..أمسى عشقا لي ..هو إنتقم وأنا وقعت في الحب .