كانت ليلة نصف مقمرة،والجو مفعم بنفحة من البرد الناعم الذي كلما لامس الجلد شعر المرء بقشعريرة تفيض بالطاقة،حين صادفت فتى شريد الذهن وفي يده فنجان قهوة،جالسا القرفصاء وذهنه غائب عن مجريات واقعه.
الفتى: لا تستغرب من امري،ربما لا تعرفني لكني اعرفك،قل لي ياهذا مابالك تكتب؟
انا:لا ادري،هواية، نوع من المتعة الذاتية،او ربما لحاجة في نفس يعقوب.
الفتى: والله اني لاراك تعيش احلاما زهرية،الكلمات في هذا الزمن فرغت من محتواها وصارت جوفاء،انك تضيع وقتك في صياغة الكلمات.
انا: ولم؟
الفتى: الناس ماعادوا يأبهون للكلمات ،لقد مل الناس من الكتابات الحمقاء،في كل مرة يخرج عليهم شخص مغمور ينثر الكلمات و الاشعار كأنما هي مجد جاهلي.
انا:و ماذا تفقه انت من امر الناس ؟
الفتى:الكثير مما لا تكفل لك نظاراتك وبصرك الضعيف هذا ان تراه،ليس المهم ان تكتب لكن الى اين تسوق الكلمات ،لانها على حين غرة قد تسوقك و لا تدري، الناس في هذا الزمن وفي ما مضى لا يريدون خطابا عقليا او نقدا يحمل منطقا،لكن تعجبهم كتابات القصص ،إخفاقات العشاق و مدح القوارير ،جانب يغذي فضولهم مما لا يرون الصدق فيه ،احذر ان تبالغ في الصدق فلا قيمة له في عالم اليوم صار فقط شعارا و منبوذا كليا ،واحذر من الاستعارة لانها تفقد الكلمة مكنونها وذلك مايعجب الناس،كلمات تغذي غرورهم و تقيم ,لابراجهم العاجية علوا بصيغة التعالي.لقد كتب كل شيء وما قيل او سيقال قد قيل سلفا،جف المداد و انقضت الاوراق ،الحياة قصة تعيد نفسها في كل مرة،تختلف في الزمن و المكان اما الاحداث فهي سيناريو يعاد تمثيله كل مرة،من آمن نجى من ضل هوى، ومن هوى هوى،ومن تعفف سمى،ومن جد وصار على الدرب وصل ومن نام هام...
انا:لكن لاضرر في المحاولة ربما هنالك من يلمس الصدق في الكلم،ليرى مباهج الخيرات،فخير الناس انفعهم لغيره ام اني مخطئ؟
الفتى: لم تخطأ و لم تصب،النفع في هذا الزمن الاهوج مبتدأه الذات،الخير موجود ان انت سرت في دربه ،انه اشبه مايكون بابرة في كومة قش قوامها هذا الزيف الذي نعيشه من الحقائق من احداث و اشخاص،العالم كله لايدري اين يسير ،اهملت الامانة وصارت امتيازا ،وقبر الحق وصار الباطل سيد المواقف،غاب الصدق في القول والفعل و الناس ،صار الرياء اهم مايحكم السلوكات ككل.
انا:ولم كل هذا التشاؤم ياصاح؟
الفتى:ليس تشاؤما ياهذا، انما الاعمى من انكر الواقع،نحب الجانب الممتلئ من الكأس طبعا،لكن هذه الكأس ماعادت ذات وزن،كل شيء اخرق ،اقوالنا،افعالنا،مشاعرنا،حتى المتسول صار يفرض سقفا للصدقة،نصدق القول ليقال اننا ذوي مآرب،نصمت فيقال غرور،ايما فعل الا و انكر،ليس في الامر سعي للارضاء الاخرين،لكن هو فقط ندب لمجتمع غاب فيه حسن الظن،اما الرحمة فلا حديث عنها ،ايتام كثر و معيل منعدم ،اباء وامهات ،جزاء كفاحمهم تقاعد في دور العجزة،شباب تائه و يدعي صحة الادراك،مصابون هنا وهناك،العمل صار حقا ومطلبا لكن دونما واجب الاخلاص والشغف .
انا:هذه نظرة سوداوية لكن هنالك دائما جانب مشرق؟؟
الفتى:أكيد وهو ان تبتسم حيال هذا و تمضي،كل شيء اسود لكنه منطقي ،اما البياض فهو لون منافق ان حللته وجدته طيفا متعدد الالوان ،وكذلك هي الحياة،الجمال احيانا في السواد ففيه التجارب و العبر يجعلك تدرك بميز بهتان الابيض ربما لتشكل لونك الابيض لا غير عندها يكون كل شيء ذو معنى،لا تبرح النية وامض كعابر سبيل. .
كان هذا حوارا عابرا بيني وبين شريد خلقته من نفسي ،ربما لارى جانبا آخر من الامور وقد يكون لاي منا شريد مؤنس خير من عاقل موحش
أحمد/ الفتى الشريد