لا يكاد يخلو تجمع للمبتعثين والمبتعثات من النقاش عن مزايا ومساوئ الخدمات المقدمة في بلد الابتعاث، و ذلك لتبادل الخبرات بحكم تواجدهم لسنوات في هذا البلد لغرض الدراسة. و في احدى تلك التجمعات التي تجمعك بأشخاص لا رابط بينكم سوى الانتماء للوطن، كانت هناك احدى المبتعثات التي كانت تدافع بكل تحيّز و حتى بلا اي حيادية و ترفض اي تعليق او نقد بشكل عام و مطلق عن كل ما يتعلق ببريطانيا و خدماتها لدرجة انهاتُشعر المُتلقي بالشفقة عليها لأنها ترى بمنظورها الضيق المنحصر في تجربتها ان ما يقدم لها من خدمات بأنها خدمات عالية الجودة، وتترك انطباعاً لمن يستمع اليها انّها فعلياً لم تحظى من قبل بتعامل مبدأ الشركات الامريكية الرائدة في التعامل مع العميل الا وهو " customer first”

كانت مداخلتي في النقاش بمثال يجمعنا جميعنا- كسعوديات- خضنا تجربته فقلت "ان مستوى الخدمات هنا لايرتقي لجودة الخدمات في السعودية في كثير من القطاعات"، فتفاجئت "بمن لا ترتضي بكلمة نقد عن معشوقتها بريطانيا وهي احدى "مبتعثات الوطن" وهي تقول بكل رضا وفخر لتنهي النقاش " انا ولائي لبريطانيا"!

بالرجوع لتعريف ومعنى الولاء في المعاجم هو الوفاء والاخلاص والمناصرة والتأييد، والنُّصرة والمحبَّة، هو الطَّاَعَة وَالإِخْلاَص والإكرام والاحترام، تسآلت في نفسي مستنكرة الا يستحق منك ذلك الوطن -الذي تكفل بابتعاثك للبلد الذي تفاخرت بولائك له- كل معنى و احساس في هذا التعريف! الا يستحق منك وطن الانتماء له وامتلاك هويته كفيلاً بان يفتح لك ابواباً، في عداد الاحلام المستحيلة لغيرك!

وعلى سبيل المثال لا الحصر لتلك المميزات، الكثير من الجامعات العالمية تشرع أبوابها و ترحب بالطالب السعودي في شتى المجالات و التخصصات لمعرفتهم بالدعم المادي الضخم الذي يحصل عليه من دولته والذي هو عبارة عن منحة دراسية شاملة للرسوم الدراسية و رسوم الاعاشة "رواتب شهرية". وهو ما يتمناه الملاين من الباحثين و الدارسين حول العالم الذي انهكتهم القروض الدراسية!

وبعد برهة من الصدمة والاندهاش من استبدال الولاء للوطن بولاء الهوى والانتصار للذات، تجسدت امامي - آسفةً - فكرة أن الانتماء لوطن لا يعني بالضرورة الولاء له! وامتلاك "بطاقة الهوية" لا يعني ضرورة ان حاملها يحمل بين ضلوعه و في قلبه محبة و اخلاص ابدي لذلك الوطن!

الولاء يا "مبتعثة الوطن" هو عقد بين المواطن ووطنه، عقد بنوده باقية وإن تغيرت الاهواء والآراء! وإن تغيرت المصالح والظروف!

الولاء هو ذلك الرابط المقدس الذي لايعكر الوفاء والاخلاص له اي ظنون او شكوك!الولاء للوطن غير مقيد بما يُقدِم!

إذا لم يكن الولاء للوطن مطلقاً بلا اي شروط فلن يكون!

*كُــــل الصعوبات ستمضي.... دمتـم في رعـايـة المـــولى

باحثة دكتوراه في علم الأحياء الجزيئية وهندسة الجينات - بريطانيا

افــــراح بـــاوزيـــر