تلقى الضربة الأخيرة فى هدوء تام و هذا على غير عادته، حيث أنه فى كل مرة كانت توجه له الحياة ضربة جديدة كان يثور و يظل يتمتم بكلمات بينه و بين نفسه على شاكلة، لماذا أنا يارب؟ ولكنه فى هذه المرة كان هادىء بشكل تام،هل هذا نتيجة تعوده على الصدمات أما أنه الأيمان و الرضا بما قسمه الله؟ و فى ظل هذا الصراع الفكرى الذى كان يشبه صراع الديوك قديمََا سمع الأذان و لم تلتقط أذنه من كلمات المؤذن إلا كلمات " حي على الصلاه...حي على الفلاح " نفض عن نفسه هذه الصراعات الفكرية و قام بالذهاب إلى المسجد فلم يبق له إلا هو بيته الأول المفتوح دائمًا لا يغلق فى وجه من يقرعه، قرع الباب ودخل و كأن روحه كانت تتصعد فى السماء وردت إليه فجأة  فقام بأداء الصلاه فى سكينة و هدوء دون أن يحاول أن يفكر فيما حدث له من صدمات و بعد أنتهاء الصلاه و فى لحظة تأمل له لا بل لحظة جنون خطرت له فكرة بدت له غريبة و شاذة، حيث أخذه عقله إلى طرح سؤال على نفسه التى ظلت فى صراع معه سنين وسنين فى أنه لماذا لا يظل قابعًا بالمسجد دائمًا؟ لماذا يخرج لهذه الحياة التى جلها خيانات و كذب و توجية ضربات فى ظهر؟ لماذا؟ أليس من الأفضل يظل جالسا فى بيت مولاه يبعده و يبعد عن البشر فهم مصدر كل شرور على هذه الأرض، و ما الذى يدريه أن إيمانه سوف يسعفه فى كل مرة و يكون حائط صد ضد تلوثه بشرور البشر، و فى ظل كل هذه التسأولات يأتى الرد إليه فى الحال من الله عن طريق شخص كان يجلس على بعد مسافة قريبة منه يقرأ القرآن الكريم بصوت مرتفع أدهشه ما سمعه منه فقد كان يقرأ من أوائل سورة العنكبوت و يقول " أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) و عندما سمع هذه الأيات قفز فجأة فى المسجد جعلت الجميع ينظر إليه بدهشة و أخذ يحدث نفسه و كأنه لم يسمع هذه الآيات من قبل، هذا إذن الغرض من  الحياة فالأيمان سلاح و ما فائدة السلاح إذا لم يختبر فى مواجهة الحياة وفتنها و إذا ضعفنا أمام هذه الفتن و سقطنا أدركنا أننا لم نكن ممسكين بالسلاح بالشكل الصحيح فنصحح مسارنا و ننهض مرة آخرى للوقوف فما يزيدنا الوقوف فى كل مرة نقع فيها إلا صلابة كل هذه الأفكار كانت تتقلب فى راسه دفعة واحدة، عزم أمره وقرر الخروج من المسجد لمواجهة الحياة و لكنه ليس كأى خروج كان مثل خروج موسى باليهود هربًا من جبروت فرعون إلى رحمة الله أو خروج نوح بالمؤمنين فى سفينة النجاة خروج العازم على البقاء فى ميدان المعركة حتى تحسم النتيجة فى صالحه أو يستشهد محاولًا .