أهمية منظم المجتمع في إدراة الأزمات - الأوبئة والأمراض -
من خلال رؤية معهد الفضاء المدني
نشر في 11 أبريل 2020 وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .
عندما تتعرض المجتمعات البشرية للأوبئة والأمراض والحروب يظهر نوعان من السّلوكيات، سلوكيات إيجابية تحاول التّقليل من حجم الأزمة ، والأخذ على عاتقها تسيير وتنظيم المجتمع للحيلولة دون توسع دوائر الأزمة، وسلوكيات سّيئة تهدد أمن واستقرار المجتمع، ما يستدي إيجاد طرق وأساليب لمعالجتها، وهنا تبرز أهميةالتّنظيم المجتمعي في إدارة الأزمات وتوجيه الأفراد نحو التّسيير العقلاني لمواردهم المعيشية وحسن التّصرف في مثل هكذا ظروف، وهذا لا يتأتى إلاّ في ظل منظم للمجتمع يتكفل بالإدارة عالية الدّقة للأزمة.
وبما أنّ العالم الآن يعاني من انت وباء "كوفيد 19 " استدعى منّا تفعيل دور المنظم الاجتماعي في تسيير الأزمة ومعالجتها بما يحقق الأهداف المرجوة ، ويكفل تحقيق الاستقرار الاجتماعي ويمنع ظهور تداعياتها .
والتّساؤلات التّي تطرح نفسها ابتداء ، ما هو مفهوم التّنظيم الاجتماعي؟،ومن هو منظم المجتمع؟، وماهي أهم صفاته، وفيما تتلخص وضائفه وأدواره؟.
أولا: مفهوم التّنظيم الاجتماعي
هناك عدة تعريفات لمفهوم التّنظيم الاجتماعي اخترت منها تعريفين اثنين يلخصان في مجملهما المفهوم.
التّعريف الأول:
عرّفه ولسون كونوفر بأنّه: " هو محاولة استثمار الموارد المتاحة لمواجهة المشكلات الناجمة عن عدم إشباع الاحتياجات الاجتماعية والبيولوجية والنفسية لأفراد وجماعات المجتمع، وتعديل تلك الموارد إذا كانت قد فشلت في أن تساير الاحتياجات الحالية، وتكوين موارد جديدة إذا تطلب الأمر ذلك .
التّعريف الثّاني:
عرّفه أحمد كمال أحمد بأنّه:"طريقة يستخدمها الأخصائيون الاجتماعيون والمتطوعون من الشعب المتعاونون معهم، لتنظيم الجهود المشتركة حكومية أو أهلية، وفي مختلف المستويات لتعبئة الموارد الموجودة أو التي يمكن إيجادها لمواجهة الحاجات الضرورية، وفقاً لخطط مرسومة وفي حدود السياسة الاجتماعية للمجتمع.
ثانيا: مفهوم منظم المجتمع.
من خلال التّعريفين السّابقين يمكننا أن نستخلص ماهية منظم المجتمع الذي يقوم بإدارة العملية التّنظيمية داخل المجتمع الذي يعيش فيه، وفي تصوري هو ذلك الشّخص أو الهيئة أو المجموعة من الأفراد التي تناط بهم عمليات تسيير الأزمة وتحريك الأفراد نحو الأهداف المسطرة وفق رؤية محكمة ودقيقة لكيفيات إدارة الأزمة الطارئة ، وذلك لمنع حدوث انزلاقات قد تهدد أمن واستقرار المجتمع بفعل الخلل الحاصل جراء الفوضى المصاحبة للأزمة بفعل الإشاعات وغيرها من المعوقات .
o صفاته.
لابد على من يتولى إدارة العملية التّنظيمية للمجتمع حال حدوث الأزمات من مجموعة من الصفات المؤهلة له كي يتولى مثل هذه المهمة الصعبة، هذه الصفات تساعد كثيرا على التّنظيم والتّسيير وحسن الإدارة ، ومن جملتها:
صفات شخصية .. صفات تأهلية تنظيمية .... صفات مهارية
صفات شخصية:
وهي صفات ذاتية فطرية في المنظم الناجح تجعله قادرا على اكتساب الآخرين وخلق مساحات للتّواصل، وهي أن يكون:
o عقلانيا.. راشدا.. متزنا.. اجتماعيا
o متواضعا... صبورا.. مرِنا.. ودودا.. ولطيفا في معاملة من حوله.
o ملتزما بخدمة المجتمع.
o على استقامة والتزام بمبادئ العمل الجماعي، ذو أخلاق حسنة تؤهله لأن تتقبله الأغلبية في التّعامل.
o جريئا لا يخاف لومة لائم عند النّقد أو المطالبة بتحسينات في المنطقة.
o حسن الخلق.. طيب السيرة والسّلوك في التعامل
o على قدر عال من النّزاهة والشّفافية والأمانة في أداء العمل والتّصرف والتّعامل مع الآخرين
o متحليا بالشّعور الإيجابي، ورح المسؤولية الاجتماعية مع الحرص على المصلحة العامة
o على قدر كبير من الجرأة والمبادرة والذكاء الاجتماعي.
صفات تتعلق بالتّأهيل والكفاءة في التّنظيم.
وهي صفات مكتسبة قائمة على التّدريب الجيد والتّكوين الفعال في المنظم الناجح تجعله قادرا على العمل الجماعي:
o أن يكون له انتماء أو علاقة ارتباط بالمجتمع أو المحيط الاجتماعي الذي ينشط فيه.
o أن يكون له سمعة طيبة وصفات شخصية محمودة ليحظى بالاحترام والقبول والثّقة في أوساط المجتمع
o أن يغلب عليه الاهتمام بالتّنمية المجتمعية وتغليب المصلحة العامة
o أن يتحلى بالتزام جيد بالمبادئ الاجتماعية، مع الالمام التّام بالقوانين، والقواعد السّائدة، كالحقوق المدنية، والخلفيات الثّقافية، والتّقاليد المجتمعية
o أن يتحلى بقدر عال بتطبيق الآداب و أخلاق التّعامل المراعية لخصوصية الآخرين و ثقافاتهم و تقاليدهم الاجتماعية
o أن يلم بالسياقات و الظروف المحيطة بمجال نشاطه الاجتماعي (اطلاع و فهم قضايا و اهتمامات المجتمع)
o أن تتوفر لديه الدوافع و الحوافز للقيام بأدوار التّنشيط و التنظيم المجتمعي
o أن يتمتع بالمعرفة الجيدة بأصحاب المصلحة و أن تكون لديه خبرة كافية في التّواصل و التّعامل مع الجهات المختصة والأطراف المعنية بكل شأن
o أن يكون ذو خبرة فنية وعملية في التّنظيم أو المشاركة بالفعاليات والأنشطة المجتمعية
صفات مهارية و قدرات عقلية على إدارة العمل الجماعي
وهي صفات مكتسبة قائمة على التّدريب الجيد والتّكوين الفعال في المنظم الناجح تجعله قادرا على إدارة المجتمع وتنظيمه وفق الخطط والأهداف المسطرة، ولذلك وجب على منظم المجتمع الناجح أن يتحلى بالمهارات الآتية:
o مهارات التّواصل الفعَّال وبناء العلاقات.
o إدارة الحوار الناجح.
o الإلمام بمهارات التفاوض والإقناع.
o مهارات الإلقاء والتقديم.
o مهارات العرض والتأثير، والتي من خلالها يسعى إلى إثارة الاهتمام والتّحفيز وتشجيع الآخرين للتفاعل و المشاركة الإيجابية
o مهارات القيادة والتخطيط وإدارة المهام وأنشطة العمل.
o القيادة الارشادية لفريق العمل
o مهارات الاستماع الجيد.
o مهارات إدراك الاختلاف وتباين الرؤى ووجهات النظر
o مهارات التحدث اللّبق.
o مهارات التّوصيف السليم والملائم في إيصال الرسائل المعلومات؛ الوقائع؛ الحقائق للجمهور المستهدف (أو أطراف الحوار؛ فريق العمل) بلغة واضحة مفهومة و مقبولة (صياغات لغوية و أساليب طرح فعَّالة)
o مهارات تحليل القضايا ومشكلات التدخل و اقتراح وتصور الحلول الممكنة لمعالجتها؛ وخاصة تحديد أصحاب المصلحة/الأطراف المعنية لكل قضية/مشكلة
o مهارات تحديد وتقييم الموارد و الإمكانيات المتوافرة.
o مهارات البحث و تهيئة أو خلق فرص الدعم و المساهمة
o مهارات الدفاع والمناصرة؛ المناظرة في تبني القضايا/المشكلات؛ طرح/تفنيد الحجج والتسبيب المنطقي
o مهارات التنظيم والتنشيط و الحشد والتعبئة المجتمعية حول الاهتمامات و الأهداف المشتركة (أغراض المصلحة العامة) .
ثالثا: دوره.
يتلخص دور منظم المجتمع في إدارة العملية التّنظيمية للمجتمع والحيلولة دون الوقوع في الفوضى، وحسن التّنظيم وذلك كله لتحقيق تكافل اجتماعي منظم ، ومنسجم، يرعي الأولويات، وأصحاب الحاجة الحقيقين لتفادي الوقوع في فك الانتهازيين.
خاتمة
أظهر الوباء الأخير أزمة حقيقة في إدارة الأزمة الاجتماعية من خلال الظواهر الاجتماعية السلبية التي شاهدناها ، والتي تمثلت في حالات الهلع، والانتهازية ، والمضاربة ، والجشع وغيرها من المظاهر السيئة، ما يدفعنا لمراجعة منظومة العمل المجتمعي ، واحداث آليات تضمن الحيلولة دون الوقوع في مثل هذه الآفات
والتي هي التّنظيم الاجتماعي
-
محمد يسين لهلاليأستاذالشّرعيات بالمعهد الوطني لتكوين الإطارات الدّينية