قبل ظهور النقاط،الفواصل الفراغات بين الكلمات والأحرف عندما كانت تكتب  الكلمات والجمل متصلة فيضطر القارئ للقراءة بصوت مسموع ليتحقق له الفهم بصورة جيدة وواضحة مما جعل على عاتق الكاتب ألاخذ بعين الاعتبار مدى صعوبة هذا الأمر على القارئ مما يتطلبه من مجهود و وقت يحتّم عليه محدودية الأسطر و الصفحات.

من ثّم تم تطوير أشكال الكتابة وظهور الفواصل وتم الفصل بين الكلمات (الفراغ) مما منح للكُتاب حرية الغوص في بحر موضوع ما وأخذ الوقت الكافي للإسهاب والتعمق في كتابة العديد من الصفحات

مقارنة بالوضع السابق الذي قد كان يعتمد وبشكل كبير على قدرة القارئ وموهبته في الفصل والتركيز يُشهد لهذا الفعل على انه إنجاز بشري عظيم.

للقراء نصيبٌ من ذلك فأتيحت لهم فرصة القراءة البصرية والمقدرة على قراءة المطولات وأمهات الكتب بعيدًا كل البعد عن عبئ القراءة بصوت مسموع فقد حررت عقل القارئ من عملية الانشغال بالنطق الى عملية التفكير بما يقرأ.

نشير هنا الى مدى قوة تأثير القارئ على الكتاب بشكل عام واصراره وفرضه على تطور الكتاب والكتابه بجميع اشكالهم على مر العصور والى وقتنا الحالي.

في حضور شبكات التواصل الاجتماعي بدأ التقليل من وهج هذه الكنوز البشرية وظللة حقيقة هذه الميزة عن طريق الترويج للأختصار المبالغ به سواءً في العلوم او الموضوعات التي لا تحتمل هذا الكم من الاختصارات فإذا تم اختصارها حتمًا ستقلَّل من قيمتها الجوهرية و المعلوماتية بجانب الجهود المبذولة التي قد تطلبت سنوات عديدة من التجارب والرحلات والأبحاث المستمرة، مما ولد في نفوس الأخرين تحجيم صعوبة القراءة والانشغال بعدد الثواني المتبقية لأنهاء صفحتين على الأكثر و تخطي الأطالة في قراءة ما يستحق الأطالة والأبحار بداخله والاكتفاء بسطحية ومقدمة المعلومات.

تقسم نتيجة اتخاذ الاختصارات المبالغ فيها كمنهجية متبعه في عملية القراءة والاعتماد الكلي والاكتفاء بقراءة مايحمله برنامج تويتر فقط الى قسمين وذلك على سبيل المثال لا الحصر :

اولأً من الناحية المعرفية بحيث لا يوجد احتمال اخر سوى الخروج بمعلومات منقوصة ذات رؤية مضللة بذهن مزدحم ومعرفة مشتته.

ثانيًا وصولاً للناحية البيولوجية فقد أشارت الدراسات بمدى تأثر الدماغ بما يحمله من روابط عصبية معقدة وفقده للكثير من القدرات نتيجة صنع يدي الانسان بوضعه للكثير و الكثير من الحدود والشروط المعرفية بنفسه ولنفسه.

في ظِل الدفاع عن قضية المعرفة بشكلٍ عام والقراءة بشكلٍ خاص، يتوجب علينا تحديد ما قد نحتاجه او يهمنا فعلاً مما يسهل علينا شق طريق البحث والإطلاع بشكل كافي بحيث لا نقلل من القيمة الجوهرية والمعلوماتية للموضوع المختار

للخروج برؤية تمتاز بالوضوح والشمولية.

تمنياتي بأن لا نقترب الى ما كان يؤكد عليه الكاتب الامريكي نيكولاس كار بأننا جميعًا نفقد قدرتنا على قراءة الكتب ونفقد بذلك إنسانيتنا.