هذا المكان الذي يزوره ممثلو كبريات الشركات العالمية: آي بي إم, جنرال موتورز, فورد, كودك، باير, نستله, سيمنز, مرسيدس, فاير ستون, جوديير, تشيس مانهاتن, ياشيكا, وغيرها.
هؤلاء جاء ليزورا ذلك الكيان والمكان الغريب, الذي هدم كثيرًا من نظريات علم الإدارة, وأطاح بأركان ثابتة, وجعل الإبداع غذاء له, وجعل الابتكار مسكنه وبيته.
فشركة "سمكو" ليست عبارة عن شركة تنتج مضخات تفريغ الوقود الضخمة, وغسالات الأطباق التي تغسل أكثر من 4000 طبق في الساعة, ووحدات التبريد والتكييف المخصصة للأبراج التجارية العملاقة, والخلاطات التي تخلط كل شيء, ومصانع البسكويت التي يتكون بعضها من ستة آلاف قطعة.
ليس ذلك السبب الذي يجعلها محط الأنظار لكبريات الشركات, وليس ذلك السبب ليجعل خبراء ومديرين من جميع أنحاء العالم ينتظرون شهورًا, ليجدوا له الوقت المناسب لزيارة مصانع ومكاتب "سيمكو".
فهذه الشركة تم فيها كسر المقاييس والمعاير المعروفة في عالم الإدارة, ففي هذه الشركة يقوم العاملون بتحديد حصصهم الإنتاجية, ويمكنهم الحضور إلى الشركة في الوقت الذي يريدون, والأعجب أن رؤساء الوحدات الإنتاجية يمكن إدارة وحداتهم وتحديد أجورهم بأنفسهم دون تدخل الإدارة العليا, فالوضع المالي للشركة بين يدي الجميع, فالدفاتر والسجلات المالية متاحة للكل.
في تلك الشركة، قاموا بإلقاء اللوائح التنظيمية المكتوبة من النافذة إلى الشارع لتحملها سيارات القمامة, فتلك اللوائح بالنسبة لهم تعوق المرونة في العمل والابتكار المستمر؛ فهم لا يهتمون بالقواعد, ولا يمتلكون من تلك الأوراق إلا كتيبًا صغيرًا يحتوي على صور الكارتون الساخرة, لتبعث رسالة لكل العاملين "استعمل عقلك".
ففي أغرب مكان في العالم, تم تقليل الموظفين الإداريين في الشؤون الإدارية والمالية والقانونية والتسويق بنسبة 75% , وتم حذف إدارة التدريب ومعالجة البيانات, فمنظومة الاعتماد على النفس هي اللغة السائدة.
قاموا بتبديل التنظيم الهرمي الجامد إلى دوائر مركزية مرنة، وتقليل المستويات من 12 مستوى إلى 3 مستويات.
ففي "سمكو" النظافة شعار, فهناك يومان في السنة, يقوم كل العاملين فيها بتنظيف أماكن عملهم, من أوراق وملفات قديمة, وقطع غيار مبعثرة, وآلات قديمة متهالكة, ليبدأ دورة جديدة لمكان جديد خالٍ مما لا ينفع.
وفي أغرب مكان في العالم ديمقراطية حقيقية, هناك ممثلون منتخبون في كل اللجان, فكل عامل له صوت يمكن أن يؤثر في منظومة الشركة, وكل ستة أشهر في "سمكو" يُقيَّم العاملون المدربون من خلال استبيان متعدد الاختيارات, قامت الشركة بتطويره، وتعلن النتيجة على الحائط ويراها الجميع, ومن يحصل من المديرين على درجة ضعيف يترك "سمكو" فورًا، ومن يحصل على 80% يعتبر متوسطًا.
والمساواة ليست شعارًا، بل أسلوب حياة؛ ففي "سمكو" مطعم واحد يأكل فيه المديرون والعمال, موقف واحد للمديرين والعمال، الذي يعتمد على أولوية الوصول في حجز المكان.
ففي أغرب مكان رفعوا شعار "مكاتبنا بلا جدران" فنباتات الزينة هي الفاصل بين الموظفين, لتشجع العاملين على التجوال والاختلاط, ويقومون أحيانًا بخلط الموظفين من الأقسام المختلفة وتوزيعهم بطريقة عشوائية متداخلة, لهدم الحواجز؛ فيستطيع كل موظف أن يغير مكانه كما يشاء وكما يحب, ويدهن الآلات باللون الذي يحبه ويريحه, ويضع النباتات والديكور الذي يريده بنفسه, ويلبس ما يشاء في الوقت الذي يريد، بشرط عدم الإخلال بشروط السلامة.
ليس هناك في هذا العالم, وظائف للسكرتارية والاستقبال، والمساعدين الإداريين, وكل الوظائف الزائدة التى يمكن أن يقوم بها أي إنسان, فموظف "سمكو" ليس كغيره من الموظفين في الشركات الأخرى, فهو يستقبل ضيوفه, وينسخ أوراقه, ويدخل بياناته، ويرسل رسائله بنفسه.
وما زال في هذا العالم عجائب لم أذكرها بعد, أسأل الله أن يعينني على جمعها في مقال آخر.
-
Amin Almitwaliyأكتب لعل كلماتى تصبح نور ينبثق فى ظلمة ليل يهدي ضال