جاءت الى عالم جديد لا تعرف عنه شيئا، غريبة فيه ،تتوق لمن يُطمئنها، لمن يحضنها ،لمن يحسًسها بالأمان ، لمن يطعمها ،فلقد كانت تحس بجوع كبير ،
و لكن لم تسمع صدى لنداءاتها الخفيّة ، تلك الرضيعة التي لم يُرحَّب بوجودها ، رفضت والدتها النظر إليها، رفضت أن تضمًها الى صدرها ،أن تشمً رائحتها ،أن تُرضعها ..
رجعت بها إلى البيت و هي تتأمّل في وجوه من حولها ، الكل كان يشتاق إلى الولد ،الكلً كان يريد الولد بعد بنتين سبقت هذه المولودة الجديدة ، قررّت وأدها تحت تراب التجاهل و الحرمان ، ألقتْ بها إلى أيادي و أحضان أخرى لتتكفّل بها، أبعدتها عنها، عن حنانها و عطفها و حبها ،
يا للمسكينة ، عرفت معنى الحرمان و الهجر و هي لا تزال في أيامها الأولى ..
عرفت معنى أن يكون مصدر الحنان قريبا منها و لكنها لا تستطيع الإغتراف منه..لا لشيئ إلا لأنها ليست ذكرا !!
مجتمع غريب و موروث أغرب ..هل عدنا إلى الجاهلية الأولى!!
و كره من حولها التكفًل بإبنتها، مُتعِب هو التكفًل برضيعة في أيامها الأولى،
سهر وبكاء لا ينتهي ..
و لا تصبر على هذا إلا من حملتها في بطنها تسعة أشهر، تلك التي أودع الله في قلبها مشاعر الحب الفيّاضة لتستطيع تحمّل كلّ هذا التعب..
و وضعتها أخت زوجها بجانبها على السرير و هي تقول : إعتن بها ،لقد تعبت، لم أعد أتحمًل المزيد.
كانت تسمع أنينها و بكائها و لكنها لم تستطع النظر إليها..
و زاد الأنين و زاد البكاء ،فقرّبتها شيئا فشيئا إليها بحذر ، و كأنً بها عدوى تخاف أن تنتقل إليها ..
و أخيرا ألصقتها بصدرها و أرضعتها ،كانت قطرات الحليب تسيل مع كلً دمعة تُرسم على خدًيها، أحست بحبها لها ، بعطفها عليها،
أحست بندم يعصر أحشاءها ،على أن تخلًت على فلذة كبدها ،لا لشيئ إلا خوفا من تلك النظرات التي أشعرتها بنقص أنوتثها ،بعدم كمال أمومتها لأن المولود لم يكن ذكرا !!
أيتها العين أفيضي حنانا..
أيها القلب إفتح نوافدك لتسمح لنور الرحمة بالدخول..
كفى قتلا للبنات حسّا و روحا..
كفى لجاهلية عادت بأشكال أخرى..
أخرج أيها العقل من زنزانة الجهل ،من سجن الموروث الذي حبست نفسك فيه من سنين..
أخرج الى رحاب الله، الى علم الله و حكمته، الى رضا بالقضاء ،الى راحة نفسية منبعها الثقة فيه و في قدرته و فيحسن تدبيره للأمور..
التعليقات
لطفا ماذا تقصدين بسجن الموروث هنا؟
جميل ما خط قلمك
مقال مؤلم هو كصفعة يحتاجها المجتمع العربي بالفعل ، لن أبالغ ان قلت بأن مقالك اثار دموعي ،
موفقة :)