اليمن ؛ بلد لا يحتاج إلى مزيد تعريف أو تقديم ، تأريخ عريق وقديم ؛ وهو البلد الذي يرزح تحت وضع مأساوي حالي حيث استمرار الحرب القائمة بين أطراف النزاع والتي شارفت الدخول على عامها السادس، وسط حالة كارثية من تنازع السلطات والولاءات وانتشار الفقر والمرض والمزيد من الأعباء الاقتصادية والسياسية والانسانية.
ابتدأت القصة من استيلاء ما يسمى "جماعة أنصار الله الحوثيّة" على مفاصل السلطة في صنعاء بتراخي ودعم من شخصيات وجهات داخلية وخارجية وهي الجماعة السلالية الثيوقراطية التي تتخذ من الزيدية الأقرب إلى مذهب الشيعة الإثني عشرية ديناً وملّة ، وهي جماعة لا تعترف في عقيدتها وتصوراتها البعيدة باليمن الديمقراطي الاتحادي ويغلب على جميع أفرادها تقديس السيد أو الإمام فهو الذي سيكون بمثابة المرشد الأعلى لليمن كما هو الحال في الجمهورية الإيرانية حيث يُحبس حتى الرأي وتموت الكلمة في الصدور ويسيطر الجهل المُطبق على الشعب .
يُعيدُ هؤلاء التأريخ دون قراءة وتمعّن ، ودون دراية ومعرفة سوى حب السلطة التي تزعم أدبياتهم الزهد فيها وقهر الناس وأكل أموالهم ، إنهم يريدون مملكة حوثية أخرى كالمتوكلية البائدة فكيف قامت تلك المملكة وسقطت وما العبر من ذلك ؟
قامت المملكة المتوكليّة في اليمن ما بين عام 1918 حتى انهيارها عام 1962 قادها الإمام يحيى حميد الدين المتوكل وهو أحد أئمة الزيدية والذي كان يحملُ فكراً توسعيّاً مقيتاً وساندته الظروف المحيطة المهترئة حينها لتنصيب نفسه إماماً وملكاً على اليمن .
وفي عهده قام برفع الضرائب على المزارعين البسطاء ، ومنع وجود أي سفارات أو مكاتب قنصلية للدول في اليمن وتجاهل أبناء المذاهب الأخرى ولم يقم دولة وطنية ولم يهتم بالتعليم ،وإنما أشاع الولاءات القبلية والطبقية الإجتماعية حتى ضاق الناس به ذرعاً فحاولوا الانقلاب عليه حتى حاول ابنه محمد البدر اغتياله.
وتوالت على الإمام وذريته من بعده الانقلابات لانغلاقه وسوء تدبيره فاغتيل في ثورة الدستور وبحكم ولاءات عائلته القبلية استطاع ابنه أحمد حميد الدين السيطرة من جديد على الحكم .
واستمر الحكم الثيوقراطي لهذه العائلة الشبيهة للجماعة السلالية الكهنوتية الحالية التي تبسط سيطرتها على صنعاء وتخنق اليمن وتُبدّد موارده وتُهجّر أهله .
استطاع اليمنيون إسقاط حكم الأئمة بعد حرب استمرت 8 سنوات في ثورة 26 سبتمبر 1962 بين موالين للمملكة المتوكلية وبين الشعب التوّاق للعهد المنشود عهد الجمهوريّة العربية اليمنية واستمرت الحرب ثمان سنوات (1962 - 1970). وسقط حكم السلالية وقامت الجمهورية العربية اليمنية وفرّ الإمام محمد البدر حميد الدين آخر ملوك المملكة الكهنوتية المظلمة .
ومن العبر إن اليمنيين الذين قادوا تغييرات عظيمة على مدى التأريخ سيطيحون بقوى الرجعيّة والظلام التي تُكبّل اليمن – طال زمن ذلك أو قصُر - وإن تأريخ اليمن مشرق بالأمل ويحمل صفحات وأيام سوداء وحشية للغزاة والمستعمرين الذين رأو في اليمن مطمعاً أو مناخاً خصباً لبسط سيطرتهم وأفكارهم وأدواتهم.