لا وجود لضحايا في هذا العالم ، هذا هو قانون الأرض، الخاسرون والفاشلون والمهزومون كلهم مذنبون بطريقة أو بأخرى، ومن الإجحاف رمي هول المسؤولية على الظروف أو الجلاد . "الضحية" صفة غير ملزمة ولا مفروضة، وليست حقيقية ، إنها اختيار وليست اضطرار ، و ماهي إلا شماعة لتبرير السقوط و الفشل أو لاستدرار العطف والشفقة والتحايل على عواطف الآخرين، أو التمظهر بمظهر بطولي خارق بجريرة الوقوع فريسة لخطأ أو خطيئة ما.
دعونا نتحدث عن دور الضحية ، بدلا من صفة الضحية؛ لأنها أساسا لا تنطبق على أي إنسان . لماذا؟ لأن كل فرد متضرر من آخر إما مشارك في الضرر الواقع عليه بغير قصد بالتغافل أوالغباء، أو مكرس له بالاستسلام و الضعف والجبن، من دون حيلة لإيقافه أو همة لتجاوزه.
وقد يغيب الجلاد ، فتجور الظروف ، فقر أو مرض أو حالة اجتماعية مستعصية، فلا يكون المستسلم لها ضحية بل هو قليل همة فاتر الإرادة، لا يرجى الخير من بين يديه ولا من خلفه، فالأصل في هذه الحياة أنها لعبة يدخلها كل امرئ بميزاته التي يتقوى بها وبآلامه التي ترضه إلى الأرض وتثقل خطواته، والسعيد هو من أجاد استغلال نقاط ضعفه مع نقاط قوته ومضى دون انكسار أو استسلام، دون أن يهدهد روحه بالإشفاق والتمسكن.
عين التاريخ نفسها لا تعترف بالضحية مهما كانت ظروفه أو جلادوه، وكفة الدهر لا تميل سوى للقوي مهما كثرت جرائمه وغزرت خطاياه، لأن قسطاسه مبني على القوة وحدها ولا عزاء لضعيف شريف ولا لطيب مسكين ، هؤلاء قد يكون لهم عزاء في العالم الآخر بحكم ضعفهم، لكن ميزان الحياة الدنيا لا يعترف إلا بمنطق القوة.
"الضحية" دور نتقمصه لنتخفف من عبء المسؤولية ، إنه قناع جميل ومثير للشفقة في آن معا، لكنه يعكس عنا اللوم إلى الآخر ، إلى الجلاد المتوحش المقيت بشره المستطير، حتى صفة الجلاد في حد ذاتها مفهوم نسبي ، فلولا تقمص دور الضحية ماظهر الجلاد وتنمر، ولولا ضعف الضعيف لما علا عليه القوي و تجبر.
"الضحية" مفهوم مصطنع، لكنه في الحقيقة يتساوى مع صفة الجلاد إلى درجة التطابق، فليس ثمة أسوء ممن يجعل نفسه لقمة سائغة للآخرين، وليس الجلاد إلا من ارتضى لنفسه دور الضحية فتلبس بالضعف والخنوع وارتضى لنفسه الذل منهجا وسبيلا.
لا ضحايا في هذا العالم، بل كلنا جلادون، الفارق الوحيد بين جلاد وجلاد أن الأول يمكن الآخرين من نفسه فيما يمكن الثاني نفسه من الآخرين.. والكل جلادون وسواسية !
-
فاطمة بولعناناليوم حرف وغدا حتف