ألوان الحياة 1- اختيار الصديق
مقال بقلم / عبده عبد الجواد
نشر في 31 ديسمبر 2017 وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .
أمسك بهاتفه وهَمّ أن يتصل بصديقه فدخل الساعي بأوراق وملفات فانشغل وذهبت الفكرة وتكررت لأيام إلا أن ذهنه ظل مشغولاً بهذا الأمر ..فلما نام رأى صديقه فى المنام فى هيئة غير طبيعية فانزعج .. فلما استيقظ فى الفجر كعادته قرر أن يذهب للقائه فى المسجد القديم المجاور لمسكنه .. فاذا به يرى صديقه على نفس الصورة التى رآها فى منامه .. سأله عما أَلَمَ به ؟ فقال: إنى مهموم وفى كرب عظيم وكنت سأطلبك اليوم أو أقابلك لأسألك الدعاء لى بظهر الغيب ....!!
الصداقة والحب فى الله
تلك درجة من أعلى درجات العلاقات الانسانية ..جمعهما تجاورالمسكن وعلاقةالأهل منذ طفولتهما ثم المدرسة والجامعة ثم تفرقا فى العمل ثم المسكن وباعدت بينهما الحياة وبقى الود والعلاقة فى القلوب فقط - لأنها لله .
وهكذا فان للبشر أنواعا وتصنيفا فى نفوسنا فهناك الصديق الصدوق- الذى يشار اليه بقول لقمان الحكيم : " رب أخ لك لم تلده أمك " فهى علاقة أرواح تتآلف وكما ذكر النبى صلى الله عليه وسلم : " الأرواح جنود مجندة ماتعارف منها إئتلف وماتنافر منها اختلف " ، وهما أيضا :" رجلان تحابا في الله "
وبحكم التجاور والعشرة والتآلف فَهِمَ كل منهما الآخر بمجرد النظر فلا حاجه للتفكير فى البوح بالأسرار أو كتمانها فهما يعلمان كل شيء عن بعضهما .
وهناك الزميل في مراحل الدراسة المختلفة ، وهناك الجار في المسكن والحى.
درجات البشر
ويخطىء الكثير منا خاصة في مرحلة الصبا والشباب- فى الخلط بين درجات البشر ولايعرف كيف يتخذ فلانا خليلا أو زميلا .. والأمر يحتاج لبعض التفكير والتروى ، فقد يبادر عن جهل وتعجل بالبوح بكل أسراره وربما بعض أحداث وخلافاته مع أبيه وأمه ، ويستطرد بالحديث عما يحب ومن يحب ويكره، وعندما ينقلب الزميل الذى ظنه صديقا فجأة لعدو لدود وتنقطع العلاقة ينتبه وقتها فقط بأنه تعجل فى العلاقة وفى إفشاء أسراره فليس كل الفرقاء أمناء فمنهم المنافق الذى إذا خاصم فَجَرْ.. ووقتها يتذكر قول الآباء الذى اعتبره من المواعظ المملة
" إذا ضاق صدرك بسرك فصدر الذى تبوح اليه أضيق " ( الامام الشافعى).
مدرسة الحياة
فليس مطلوبا سوى أن ينظرشبابنا الى آبائهم وأمهاتهم فهم القدوة والمثل ويسألوهم عن أصدقائهم الحقيقين سيجدون أنهم ربما لايتعدون أصابع اليد الواحدة لأن مدرسة الحياة علمتهم الفرق بين الصديق والزميل !!
حاول أن تفكر قليلا لكى تتمكن من عمل هذا التصنيف لمن تتعامل معهم فى مدرستك وجامعتك وعملك وجيران مسكنك وأسأل نفسك عن هؤلاء الذين تتعامل معهم فلابد ان تقوم بتصنيفهم فى نفسك الى نوعين : الصديق والزميل .
ولكن كيف تقوم بهذا التصنيف ؟
فقط حاول الاجابة بكل صراحة مع نفسك على هذه الأسئلة:
هل منهم الذى أحتاج بالفعل أن أستمر فى تواصلى معه ، ويستحق ذلك لو تغيرت الظروف وانتهى ظرف المكان الذى يجمعنا.. مدرسة أو جامعة أوعمل أو سكن ؟؟
هل يغضبنى فعلاً ويؤثر فى نفسى ونفسه هذا الفراق ؟
هل منهم من يربطنى به علاقة توافق نفسى فى الطبيعة الشخصية وتماثل السمات النفسية والبيئة الاجتماعية ؟ ام العلاقة فقط مجرد مصالح شخصية ؟
هل شعرت من المواقف التى مرت بكم فى الفترة الماضية أنك تُوضَعْ فى نفس من تقدره وتحبه فى نفس المكانة ولنفس الأسباب التى ليس منها المصالح الشخصية؟
هل شعرت بالتواصل الانسانى الحقيقى فى الظروف التى مرت عليكم من مرض وفرح وحزن هل شعرت بمشاعر حقيقية أم مجرد واجب فرضته ظروف الزمالة؟
هذه نماذج أسئلة بسيطة وغيرها قياساً عليها هى مايجب أن توجهه لنفسك ورغم تفصيل الكلمات وكثرتها فى الشرح إلا ان تطبيقها والتفكير فيها قد يستغرق مجرد دقائق قليلة وورقة صغيرة تحصر فيها من حولك من الناس وتقوم بهذا التقييم البسيط، والذى بناءً عليه يتحدد مستوى العلاقة ودرجة الارتباط والتى أدناها تبادل السلام والتعامل باحسان ومعروف مع مايعتبر مجرد زميل .
لاتنسى أن الله خالق البشرجعلهم درجات وأنواع وصفات متفاوتة بهدف الابتلاء والتمحيص وسينتقى منهم يوم القيامة المؤمنين الأنقياء الأتقياء الذى يقفون عند حدوده لنيل جنته ويعذب بناره الكفار والمنافقين والضالين .
لاتصادق من تصادف
فالبشر ليسوا سواء فى الدنيا ولا فى الآخرة وليسوا نوعا واحدا ليستحقوا منك أن تصادق من تصادفه بل يجب أن تنتقى حسب حديث النبى صلى الله عليه وسلم : "فالمرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل" .
وأنت أيضا لن تنال رضا كل من تتعامل معه أو تستطيع أن تكون صديقه " فاذا أرضيت كل الناس فأنت منافق ، واذا لم ترض أحدا فانت شيطان او أحمق"
فلاتعامل الناس معاملة واحدة
وتبوح للجميع بكل أسرارك فالصديق الحقيقى يعلم ويشعر بك دون حديث ،" والقلوب أوعية الأسرار والشفاة أقفالها والألسن مفاتيحها فلتحفظ مفتاح سرك " كما قال الخليفة/ عمر بن عبد العزيز .
فلا تنظر للناس من حولك على أنهم شيئاً واحداً كالضوء – فليسوا كذلك ،بل هم ألوان مختلفة يتآلف فيها الطيب مع الطيب والخبيث مع الخبيث.
وكذلك الضوء الذى تراه فهو أيضا مزيج من ألوان قَدّرها ومزجها الله بقدرته لتراها شيئاً واحداً - تلك ألوان الحياة وكذلك أصناف البشر!
عبده عبد الجواد-بورسعيد-مصر
http://rwaealfekr.blogspot.com.eg/
https://abdougawad.blogspot.com.eg/
-
Abdou Abdelgawadرحلتى الطويلة مع عشق الكلمات لسنوات هاويا، تحتوينى كلماتى أحيانا وفى أخرى أحتويها ، كفانى أراء وحب الأصدقاء كأوسمة ونياشين تفيض بها ذاكرة عمرى ، وسيظل عشقنا الكبير حتى يتوقف بنا قطار الحياة، وحينها ستبقى الكلمات شاهدا ...
التعليقات
و إن كنت أختلف مع حضرتك في أمر واحد و هو أن مسألة أن أضع أسئلة لتصنيف الأصدقاء و الزملاء فالعلاقات الإنسانسية أعقد بكثير من هذا فهي ليست قائمة كتب أجهّزها للقراءة أو قائمة طعام بل هي مواقف و معاملات و أخلاق , و البشر فيهم الكثير من التناقضات فقد يكون لديك صديق يساندك في الشدائد لكنه يقصّر في السؤال عنك أو آخر لا تقابله كثيراً لكن عندما تجلس معه تشعر بالإطمئنان و الألفة .
أظن أن الحياة كفيلة بتنقية الأصدقاء من حولنا من خلال المواقف .
بالتوفيق و في إنتظار مقالاتك القادمة .
أنا أحييك أستاذ عبده على الجملة دي وارفعلك القبعه ... شابووووه لان بجد بجد الواحد بقى بيتلخبط في الحكم على الناس كتير ...أنا اتعلمت منك كتير في الحياة العلمية والعملية :) :) ...بالتوفيق يارب دايما