كلمة مختصرة عن بعض ضوابط القتال في الاسلام - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

كلمة مختصرة عن بعض ضوابط القتال في الاسلام

  نشر في 08 ديسمبر 2015  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

يقول الله سبحانه و تعالى ذكره: {هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ ۚ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۖ لِّيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ ۚ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (25)}(الفتح)، يقول سبحانه للمؤمنين عقِبَ صلح الحديبية بين كفار قريش و الرسول: لولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات يعيشون بين أظهر الكفار في مكة يمكن أن ينالهم أذى و مكروه لأبحنا لكم ايها المؤمنون قتال قريش التي صدتكم عن المسجد الحرام و لَسَلَّطْناكم عليها!

من الاحكام الشرعية التي يتعلمها المسلم من هذه الآيات من سورة الفتح هو وجوب الأخذ في الاعتبار مآلات الأفعال، فالله منع اصحاب الرسول من قتال قريش لتجنب إيذاء بضعة مسلمين كانوا يعيشون بين قريش! و القتال هنا الذي يتكلم عنه القرآن هو قتال جيش قريش و ليس المدنيين منها!

فَيُطْرَحُ هنا السؤال على الجماعات الاسلامية المسلحة التي تبنت القيام بعمليات إرهابية في بلدان غربية، ألم تفكروا في عواقب أفعالكم هاته على ملايين المسلمين الذين يعيشون في الغرب؟

فهذه الجماعات لا تستهدف جيوش الكفار بل مدنيين في الغرب، تستهدف أهدافا، ليس انها حرام شرعا فحسب، بل كذلك لا تحقق مثقال ذرة من نصر، فليس هناك اي فائدة البتة من قتل المدنيين اللهم إلا حب القتل و سفك الدماء، و هذا -أي حب سفك الدماء- ليس من الاسلام، فالجهاد شُرِّعَ في الاسلام ليس للقتل العشوائي و لا لقتل المدنيين و ليس لحب القتل و القتال، فمما ورد عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال: "لَا تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا!"(صحيح مسلم)، فالمسلم لا يعشق القتال بل يضطر اليه اضطرارا لإيقاف الظلم و البغي و لزجر الظالم و الباغي و صده و ليس لقتل الابرياء، فالنفس البشرية محرمة ابتداءً تحريما مغلظا في الاسلام: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً (32)}(المائدة).

فالاعمال الإرهابية ضد المدنيين، ليس انها حرام شرعا فحسب، بل كذلك لا تقضي على جيوش الكفار الغربية المتواجدة أو المقاتلة في بلاد المسلمين و لا على الأنظمة في العالم الاسلامي، بل تزيدها كلها قوة و تدفع الشعوب لتصطف وراءها، و تعطي الغرب و الأنظمة التابعة له في العالم الاسلامي شعبية و شرعية دولية لتقوم بما تشاء و أينما تشاء من حروب و ضربات ضد المسلمين! ...

فالاعمال الإرهابية ضد المدنيين، بالاضافة الى انها إثم عظيم، فهي ضربة ضد تلك الجماعات الاسلامية نفسها التي تبنت ضرب المدنيين، و هي ضربة ضد المسلمين عامة، إذ أن الاعمال الإرهابية ضد المدنيين تُسَعِّر كل العالم و كل شعوب العالم ضد المسلمين! و إنه لمن الغباء السياسي و العسكري القيام بأعمال تقوي العدو و تزيد من حماسته على القتال و تقوي صفوفه و توحدها و تجلب له التعاطف الشعبي و العالمي و تمنحه الشرعية للجرائم التي يقوم بها ضد المسلمين و تُبررها! ...

أما رسول الله فقد كان من حكمته تَجَنُّب تَهْيِيجَ جيوش الكفار ضد المسلمين، فعلى سبيل المثال ورد عن الصحابي حذيفة بن الْيَمَان أن رسول الله أمره خلال غزوة الاحزاب أن يخترق جيش الكفار و يأتيه بخبرهم، فقال له صلى الله عليه و سلم: "قُمْ يَا حُذَيْفَةُ فَأْتِنَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ وَلَا تَذْعَرْهُمْ عَلَيَّ"(صحيح مسلم)، و "لا تَذْعَرْهُمْ عَلَيَّ"، كما ورد في شرح النووي، أي: لَا تُفَزِّعْهُمْ عَلَيَّ وَلَا تُحَرِّكْهُمْ عَلَيَّ، وَالْمُرَادُ: لَا تُحَرِّكْهُمْ عَلَيْكَ (يَا حُذَيْفَةُ) فَإِنَّهُمْ إِنْ أَخَذُوكَ كَانَ ذَلِكَ ضَرَرًا عَلَيَّ لِأَنَّكَ رَسُولِي وَصَاحِبِي (شرح النووي على مسلم). و يسترسل حذيفة قائلا: "فَلَمَّا وَلَّيْتُ مِنْ عِنْدِهِ جَعَلْتُ كَأَنَّمَا أَمْشِي فِي حَمَّامٍ حَتَّى أَتَيْتُهُمْ فَرَأَيْتُ أَبَا سُفْيَانَ يَصْلِي ظَهْرَهُ بِالنَّارِ فَوَضَعْتُ سَهْمًا فِي كَبِدِ الْقَوْسِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْمِيَهُ فَذَكَرْتُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَذْعَرْهُمْ عَلَيَّ وَلَوْ رَمَيْتُهُ لَأَصَبْتُهُ فَرَجَعْتُ"(صحيح مسلم)! ... فإذا تراجع حذيفة بن الْيَمَانِ عن قتل أبي سفيان حتى لا يُهَيِّج جيش الكفار على المسلمين، مع شرعية و أهمية استهداف أبي سفيان، فهو قائد جيش الاحزاب، و كان يحاصر المدينة و يريد استئصال دولة الاسلام و قتل الرسول، ..... فكيف اليوم بجماعات اسلامية مسلحة لا تتورع عن قتل المدنيين مع حرمة ذلك و عدم جدواه عسكريا، و لا تعير أي اهتمام لمآلات أفعالها على المسلمين و الضرر و الأذى الذي تجلبه عليهم مع وجوب درء المفاسد عن المسلمين!؟

و قد يقول البعض إن الكفار يقتلون المدنيين من المسلمين في حروبهم التي يخوضونها في البلدان الاسلامية و بالتالي وجب أو جاز معاملتهم بالمثل و استهداف مَدَنِيِّيهِم! ... و الرد على هذا القول من وجوه:

١) الغرب لا يتبنى رسميا قتل المدنيين المسلمين و لا يقول انه يتعمد ذلك، بل يستهدف مسلحين مسلمين، و أما قتل المدنيين فهي أضرار جانبية غير مقصودة، حسب تَبَنِّيه و تصريحه الرسمي. أضف الى ذلك ان الغرب في بعض الحالات يدفع تعويضات مالية لأُسَرِ القتلى من المدنيين في العالم الاسلامي! .. اما الجماعات الاسلامية فتستهدف مباشرة و عن قصد المدنيين و تتبنى ذلك!

٢) ثانيا، الغرب حين يعلن الحرب على أحد البلدان الاسلامية فإنه يراعي مسؤوليته اتجاه رعاياه و مواطنيه و لا يتحرك تحركا عشوائيا، فيأمر أولا رعاياه بمغادرة البلاد التي يريد استهدافها و ينظم رحلات إجلاء لرعاياه و ينقلهم الى أماكن آمنة حتى لا يصابوا بأذى و لا تَنْصَبُّ عليهم نقمة و انتقام شعب البلد الذي يستهدفه الغرب! ... أما الجماعات الاسلامية المسلحة التي تبنت استهداف الغرب فتتصرف دون أدنى نسبة من الإحساس بالمسؤولية اتجاه ملايين المسلمين الذين يعيشون في الغرب، ... فتعرض حياتهم و أمنهم و حريتهم للخطر و تجعلهم هدفا للانتقام و الاعتداء و الاضطهاد و التنكيل!

٣) المعاملة بالمثل يجب أن يكون مقدور عليها و مأخوذ في الحسبان بمآلات ذلك بحيث لا تجلب مضار اكبر من المنافع، و كما سبق الذكر فاستهداف المدنيين في الغرب - الى جانب حرمته- ليس فيه اي منفعة البتة، بل بالعكس يجلب أضرارا كثيرة و كبيرة على المسلمين. فهل ستستطيع الجماعات المسلحة مثلا إجلاء ملايين المسلمين المقيمين في الغرب و نقلهم أولا الى بلدان و أماكن آمنة قبل استهداف الغرب، تماماً كما يفعل الغرب مع رعاياه قبل ان يستهدف بلدا من البلدان في العالم؟

٤) المعاملة بالمثل لا تبيح في الاسلام ارتكاب حرام، فإذا كان الغرب يفتقد لقيم إنسانية و دينية تمنعه من قتل المدنيين في البلدان التي يخوض فيها حروبا، و إذا كانت فلسفة الغرب في الحياة تبيح له كل الوسائل ما دامت ستحقق له منافع، فالمسلمون لهم دين ذي قِيَّم ربانية مقدسة لا يجوز لغضبٍ أو حض نفسٍ  أو ظُلْمِ عَدُوٍّ أن يُبْطِلَها، و في الاسلام لا يجوز تبني وسائل محرمة لتحقيق "حلال" أو "فريضة"، فالوسيلة في الاسلام من جنس الغاية، كلاهما يجب ان يكونا مباحان شرعا! فقتل الابرياء حرام في الاسلام لعموم تحريم قتل النفس البشرية: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً (32)}(المائدة)، {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)}(النساء)، فلا يُجيز التبرير بِ "المعاملة بالمثل" قتل النفس المحرمة، و من ثم لا يجوز للمسلمين قتل المدنيين من الكفار و لو قتل الكفار مدنيين من المسلمين، و هناك أدلة كثيرة على هذا القول من القرآن و السنة:

{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)}(البقرة). عن ابن عَبَّاس قال، أي: لَا تَقْتُلُوا النِّسَاءَ وَلَا الصِّبْيَانَ وَلَا الشَّيْخَ الْكَبِيرَ وَلَا مَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَكَفَ يَدَهُ، فَإِنْ فَعَلْتُمْ هَذَا فَقَدَ اعْتَدَيْتُمْ". و عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى الْغَسَّانِيِّ قَال: كَتَبْتُ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَسْأَلُهُ عَنْ قَوْلِه: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}، قَال: فَكَتَبَ إِلَيَّ: "إِنَّ ذَلِكَ فِي النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ وَمَنْ لَمْ يَنْصِبْ لَكَ الْحَرَبَ مِنْهُمْ"(تفسير الطبري)!

و يقول سبحانه: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا ۘ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)}(المائدة)، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8)}(المائدة)، أي: كونوا قوامين بالحق لله عز وجل، لا لأجل الناس والسمعة، وكونوا "شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ" أي: بالعدل لا بالجور، فلا يَحْمِلَنَّكم شَنَآنُ (بُغْض) قوم قد ظَلَمُوكم و اعتدوا عليكم (ككفار قريش الذين كانوا صدوكم عن الوصول إلى المسجد الحرام عام الحديبية) على ترك العدل فيهم و على أن تعتدوا فتقتصوا منهم ظلما وعدوانا، بل استعملوا العدل في كل أحد، صديقا كان أو عدوا! فلا يَحْمِلَنَّكم بغض أقوام على ترك العدل، فإن العدل واجب على كل أحد، و في كل أحد، و في كل حال (اقتباس من تفسير ابن كثير بتصرف).

و يقول الله سبحانه و تعالى ذكره: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)}(الممتحنة)، ... يذكر الطبري في تفسير هذه الاية : [ ..... وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ: عُنِيَ بِذَلِك جَمِيع أَصْنَاف الْمِلَل وَالْأَدْيَان أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتَصِلُوهُمْ، وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ، إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَمَّ بِقَوْلِهِ {الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّين وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَاركُمْ} جَمِيع مَنْ كَانَ ذَلِكَ صِفَته، فَلَمْ يُخَصِّص بِهِ بَعْضًا دُون بَعْض. وَقَوْله : {إِنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُقْسِطِينَ} يَقُول: إِنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُنْصِفِينَ الَّذِينَ يُنْصِفُونَ النَّاس، وَيُعْطُونَهُمْ الْحَقّ وَالْعَدْل مِنْ أَنْفُسهمْ، فَيَبَرُّونَ مَنْ بَرَّهُمْ، وَيُحْسِنُونَ إِلَى مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْهِمْ.](انتهى الاقتباس من الطبري).

{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى، وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ (18)}(سورة فاطر)، فلا يُؤاخَذ إنسان بما اقترفه غيره، و لو كان هذا الغير من أقاربه، و لو كان أمه أو أباه!

و كان يقول رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل خوض الحرب: "لَا تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا وَلَا طِفْلًا وَلَا صَغِيرًا وَلَا امْرَأَةً"(سنن ابي داود).

و عن رباح بن الربيع أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ غَزَا غَزْوَةً كَانَ عَلَى مُقَدِّمَتِهِ فِيهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَمَرَّ رَبَاحٌ وَأَصْحَابُهُ عَلَى امْرَأَةٍ مَقْتُولَةٍ، مِمَّا أَصَابَ الْمُقَدِّمَةُ، فَوَقَفُوا عَلَيْهَا يَتَعَجَّبُونَ مِنْ خَلْقِهَا، حَتَّى لَحِقَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَفَرَّجُوا لَهُ، حَتَّى نَظَرَ إِلَيها، فَقَال: "مَا كَانَتْ هَذِهِ تُقَاتِلُ"، ثُمَّ نَظَرَ فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ، فَقَالَ لِأَحَدِهِمْ: "الْحَقْ بِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فَلَا يَقْتُلَنَّ ذُرِّيَّةً، وَلَا عَسِيفًا"(المستدرك على الصحيحين).

و قال رسول الله: "لا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِن دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا"(صحيح البخاري).

و قال صلى الله عليه و سلم: "ثَكِلَتْهُ أُمُّه: رَجُلٌ قَتَلَ رَجُلا متعمدا، يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ آخِذًا قَاتِلَهُ بِيَمِينِهِ أَو بِيَسَارِه، وَآخِذًا رَأْسَهُ بِيَمِينِهِ أَو بشِمَالِه، تَشْخَبُ أَوْدَاجُهُ دَمًا فِي قُبُلِ الْعَرْشِ، يَقُولُ: يَا رَبِّ، سَلْ عَبْدَكَ فِيمَ قَتَلَنِي؟"(مسند أحمد).

٥) أما الاستدلال بقوله تعالى: { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ۖ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ}(سورة النحل)، لإباحة قتل المدنيين من الكفار إذا قتل الكفار مدنيين من المسلمين، فهذا استدلال باطل! "فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ" أي إيقاع نفس العقوبة بحق الشخص نفسه و الاشخاص انفسهم الذين ارتكبوا الجُرْم و ليس بأسرهم او أبناء طائفتهم أو شعوبهم الذين لا علاقة لهم بالجرائم المرتكبة! فإن تَمَكَّنتَ من المجرمين، الفاعلين الحقيقيين للجرائم ضد المسلمين أو معاونيهم على ذلك، فلك ان تعاقبهم بمثل ما فعلوه في المسلمين، أو تعفو و تصبر لتأخذ على ذلك الأجر العظيم من عند الله! ...

و أعجب لبعض الذين لا يُجَوِّزُون المعاملة بالمثل في أفعال محرمة على المسلم كالزنا، فيقولون انه لا يجوز للجنود المسلمين اغتصاب نساء الكفار في حالة الحرب و لو اغتصب جند الكفار نساء المسلمين، لأن الزنا حرام على المسلم، لكنهم يُجَوِّزُون قتل المدنيين الكفار بحجة المعاملة بالمثل، اي بحجة قتل الكفار للمدنيين المسلمين! أعجب لهذا التناقض الفظيع، و اقول لهم: و أليس قتل النفس البريئة حرام على المسلم؟ و أليس قتل النفس المحرمة اعظم إثما من الزنا؟ ... فنفس السبب الذي يُحَرِّم على جنود المسلمين اغتصاب نساء العدو، يُحَرِّم عليهم أيضاً استهداف و قتل المدنين من الكفار: كلاهما فعل حرام!

٦) إذا كانت من سِمات جيوش الكفار الظلم و الفسق و التعدي و قتل المدنيين و إنكار العهود و الغدر، فالأمة الاسلامية قطعا ليست كذلك، و إذا وُجدَ فيها من المسلمين من اتسم بتلك الخبائث تصدت له الامة الاسلامية و نهته و عاقبته، .... فالأمة الاسلامية أمة خير و أمة عدل و أمة إنصاف، و الامة الاسلامية أمة رسالة ربانية عالمية، الامة الاسلامية مسؤولة عن الناس كافة و حريصة على هدايتهم: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه}(سورة آل عمران)، {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا (143)}(البقرة)، {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ (78)}(الحج)، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107)}(الانبياء)، ...

فالأمة التي تحمل رسالة ربانية عالمية كرسالة الاسلام لا تكون أفعالها عبارة عن ردات فعل على ما يقوم به السفهاء أو الكفار، فأمة رسالة الاسلام يجب ان تكون قدوة للبشرية في العدل و الرحمة و الصبر و التقوى، تكون قدوة في الحفاظ على الدماء و الأعراض و الاموال، لا تقتل إلا المقاتلين و الذين فعلوا فعلا أو جرما يستحقون عليه القتل شرعا، ... فأمة رسالة الاسلام لا يَحْمِلَنَّها بُغض قوم و ظلمهم على ان تُقابلهم بالظلم و الجور، ... انتم يا أمة الاسلام و يا شباب الاسلام قدوة للبشرية جمعاء، إذا كان الكفار يبطشون في حروبهم كما ذَمَّهُم الله {وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130)}(الشعراء) و يغلون في التقتيل و يذبحون المدنيين، فكونوا انتم يا أمة الاسلام و يا شباب الاسلام، كونوا المعلمين و الأساتذة للبشرية و لا تكونوا كالمراهقين الذين يتحركون بِرَدات فعل طائشة ضد ظلم الكفار و عُدْوَانهم، .. عَلِّموا انتم البشرية كيف تُخاضُ الحروب بضوابط صارمة عادلة لا يُعْتدى فيها على المدنيين، و لا تستهدف المسالمين، الخ ...! لا تتصرفوا ايها المسلمون بنفس الوحشية التي يتصرف بها الغرب في حروبه، فأنتم لستم مثل الكفار، و لا تريدون ان تكونوا مثلهم، و لا تريدون ان تكونوا معهم في نفس المنزلة يوم القيامة: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ (16)}(الرعد)، {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)}(الزمر)، {قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ ۚ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(سورة المائدة)، {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (34) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35)}(القلم)!

......



   نشر في 08 ديسمبر 2015  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا