بعد الفوضى التي ضربت كابول هل انتهى القرن الامريكى ؟ - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

بعد الفوضى التي ضربت كابول هل انتهى القرن الامريكى ؟

جوليان بورجر – الجارديان – ترجمة / محمد احمد حسن

  نشر في 31 غشت 2021 .

منذ عدة أشهر كانت توجد قواعد أمريكية في جميع أرجاء أفغانستان حيث تستطيع أن تتخيل نفسك في أمريكا حيث يمكنك شراء الكوكاكولا و حلوى السنيكرز من ماكينات البيع و مشاهدة المباريات الرياضية المباشرة على التلفاز .

الآن تضاءلت هذه البؤرة لتقتصر على جانب من جوانب مطار كابول حيث المخلفات الفوضوية لعشرين عاما من البقاء لقوات تحاول إنقاذ ما تبقى من الشرف و الكرامة و التي يبدو أن القيادة السياسية في واشنطن قد قذفت بها جانبا من خلال إجلاء المقاتلين الأمريكيين و المتعاونين الأفغان . أولئك المتعاونين الذين انبهروا ذات يوم بالحديث عن الديمقراطية و حقوق المرأة و حرية الصحافة و الآن يواجهون معضلة الحياة و الموت بشأن الإبقاء على أدلة عملهم لحساب قوات التحالف الذي قاده الأمريكيون أملا في الخلاص حتى الدقيقة الأخيرة أو التخلص منها هربا من موت محقق .

إن سرعة و كلية الهزيمة في نهاية أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية تثير حتما تساؤلات عن مكانتها في التاريخ الحديث بنطاقه الواسع و التساؤل الأكبر ربما هو ما إذا كانت تلك المشاهد تشير إلى أن (( القرن الامريكى )) يلفظ أنفاسه الأخيرة أم لا .

لقد كان ذلك (( القرن الامريكى )) عصرا تتصرف فيه الولايات المتحدة كشرطي العالم و تقوم بحفظ النظام وفقا لمجموعة محددة من القواعد و التدخل وقت الضرورة لإيقاف أسوأ الجرائم ضد الإنسانية . و تبين أن الواقع ابعد ما يكون عن تلك المثالية . و لكن هل يوشك المشروع الكبير من حيث النظرية و الممارسة على النهاية الآن ؟

و قد تم صك مصطلح (( القرن الامريكى )) عام 1941 في مقال للناشر البارز ( هنرى لوس )حيث كتب ما يلي (( إننا نستطيع أن نجعل الأممية الأمريكية شيئا معتادا لنا في عصرنا هذا مثل الطائرة أو الراديو )) .

هذا الطموح تحقق بالفعل في السنوات التي تلت نشر هذا المقال . حيث تم تحرير أوروبا من النازيين و التي تلته تجارب ناجحة بشكل مذهل في بناء الأمم في ألمانيا الغربية و اليابان التي أصبحت ديمقراطيات مزدهرة و دولا حليفة موثوق بها .

هناك بعض الشعوب حول العالم لديها من الأسباب ما يجعلها ترى دور الولايات المتحدة كشرطي للعالم ضروريا مثل البوسنيين و الكوسوفيين فبالنسبة لهم تدخلت أمريكا حينما فشلت القوى الأوروبية في القيادة .

و قد تحدثت سابينا كوديك القيادية في الحزب الاصلاحى الليبرالي البوسني عن انه (( بالتأكيد ليس ما حدث في أزمة الصواريخ الكوبية و ليس ما حدث في العراق و لكن التدخل في البوسنة هو واجهة جيدة لما يمكن انجازه حينما يكون لأمريكا طموح جيد و معتدل )) .

و قد صرحت مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية حينذاك في أعقاب التدخل الامريكى في البوسنة و ما تلاه من توقيع اتفاقية دايتون للسلام انه (( إذا اضطررنا لاستعمال القوة فذلك لأننا أمريكا لأننا أمة لا غنى عنها )) . قلة من المسئولين الأمريكيين من بوسعه التحدث بمثل تلك الطريقة الآن و في النهاية يشعر الأمريكيون الذين بقوا في أفغانستان انه يمكن الاستغناء عنهم .

في أجزاء أخرى من العالم كانت تجربة أمريكا كشرطي العالم مختلفة تماما . فقد كانت هناك لكي تسمح للنفط بالتدفق و لناقلات النفط بالإبحار دون عوائق و إنفاذ مجموعة من القواعد حتى لو كانت تلك القواعد مصممة في النهاية من اجل منفعة الولايات المتحدة و حفنة من القوى العظمى . ففي أمريكا اللاتينية لم يكن المظهر الخارجي مقنعا بما فيه الكفاية و قد تصرف شرطي العالم مثل حارس امن خاص لحساب مصالح قلة من الشركات الكبرى .

وصل القرن الامريكى إلى ذروته بعد سقوط حائط برلين و ظهور الولايات المتحدة كقطب عالمي أوحد . فقد تم حل الاتحاد السوفييتي الذي استمر لنصف قرن بعد قيام لوس بنشر مقاله عام 1991 .

استمرت الأطروحة لمدة عقد من الزمان حتى حلت الكارثة التي عكرت صفو السماء الزرقاء في سبتمبر 2001 . حيث قتل قرابة 3000 امريكى في هجمات على نيويورك و واشنطن و لكن كان رد الفعل الامريكى الغريزي قد اثبت انه كان أكثر تدميرا لمكانة الولايات المتحدة في العالم . و تسبب في (( حروب أبدية )) في العراق و أفغانستان و التي ربما توشك على الانتهاء بالنسبة للولايات المتحدة و لكنها سوف تستمر في كونها (( واقعا )) خلفته الشعوب المتحضرة وراؤها يحتاج لأعوام و ربما لعقود لكي تتجاوزها .

كارثة تتلوها كارثة : لقد كان الربيع العربي انعكاسا سيئا للثورة الديمقراطية الأوروبية التي كان من المفترض أن يحاكيها مخلفا فوضى دامية سواء في البلد التي سقط فيها النظام مثل ليبيا أو التي لا يزال النظام فيها صامدا مثل سوريا .

إن الدمار الذي أحدثه الحادي عشر من سبتمبر لم يكشف تماما كما أراد القائد الارهابى أسامة بن لادن وفقا لنيلي لحود المحللة في مركز أمريكا الجديدة للدراسات و التي قامت بفرز أوراقه ، و لكنه حقق (( نجاحات كارثية )) في تغيير العالم .

في كتاب جديد بعنوان حكم الإرهاب : كيف زعزع الحادي عشر استقرار أمريكا و أنتج ترامب Reign of Terror: How the 9/11 Era Destabilized America and Produced Trump يناقش الصحفي السابق في الجارديان سبنسر اكرمان أن أسوأ اثر للدمار الذي حدث كان ذاتيا من خلال تأثير ( الحرب العالمية على الإرهاب ) و تجاوزاتها مثل التعذيب و مراقبة الجمهور و العسكرة و السلطوية .

و كتب اكرمان (( من بين كل الأثمان الأبدية للإرهاب فإن الثمن الأكثر أهمية هو الأقل فداحة : ما نقوم بمحاربته كلفنا ديمقراطيتنا )) .

و أضاف (( كيف لا تعترف أمريكا أن التهديد الحقيقي هو مكافحة الإرهاب و ليس الإرهاب )) .

ولد رد الفعل العنيف كراهية لدى الرأي العام الامريكى للتدخل الاجنبى . و واحدة من الأشياء القليلة التي اتفق عليها كلا من بايدن و ترامب هو إصرارهما على الرحيل من أفغانستان و قد أكمل بايدن الانسحاب الذي اتفق عليه ترامب مع طالبان في فبراير 2020 في الدوحة .

لقد عكس الانهيار السريع للحكومة الأفغانية ليس فقط الضعف العسكري و لكن أيضا ضعف الكفاءة الذي انتشر بوضوح عبر الإدارات المتعاقبة . و عند إقناع الرئيس كان المسئولون مصرين على أن الأحداث في مطار كابول ليست تكرارا لعملية الإجلاء التي حدثت في سايجون 1975 و قد أصبحت صور ما حدث في سايجون رمزا للهزيمة لأكثر من جيل . و لكن أوجه التشابه لا مفر منها .

و قد دون الكاتب الحائز على جائزة نوبل و الذي غادرت عائلته فيتنام في الرابعة من عمره فيت ثان نجوين في تغريدة على تويتر أن (( ما حدث هو حرفيا ما حدث في سايجون بسبب سقوطها ، إنه بالتأكيد يشبه ما حدث في سايجون بالنسبة لي ))

جدير بالذكر أن الولايات المتحدة أجلت 130000 من المتعاونين الفيتناميين في 1975 و بعدها قبلت أعدادا من اللاجئين من فيتنام و كمبوديا و لاوس . كان الأمر اختبارا للإنسانية و أيضا للقوة . فالقوة العظمى التي لا تستطيع أن تحمى حلفاؤها لا تستحق اللقب .

في مقال له بجريدة نيويورك تايمز دعا نجوين إدارة بايدن إلى فعل المزيد من اجل الأفغان حيث كتب (( بالنسبة لأولئك المدنيين فإن الحرب لم تنته و لن تنتهي لعدة أعوام . و إن مستقبلهم هو الذي سوف يحدد ما إذا كانت أمريكا تستطيع أن تواصل الادعاء أنها سوف تقف دائما مع حلفائها أم لا )) .

و قد كان انسحاب القوات الأمريكية عام 1973 و سقوط سايجون بعدها بعامين يبدو في ذلك الوقت كارثة خطيرة مثلما حدث في كابول و لكن لم تكن تعنى نهاية الدور البارز الامريكى في العالم .

و قد قال دانيال فريد المسئول السابق في وزارة الخارجية الأمريكية و الذي يعمل حاليا في مركز الدراسات المعروف بالمجلس الاطلنطى (( كما تبين فإن إستراتيجية الولايات المتحدة خلال الحرب الباردة بخصوص دعم الحرية و مقاومة الشيوعية السوفيتية قد نجحت حتى بالرغم من أخطاء واشنطن الفادحة في فيتنام و أماكن أخرى )) .

و لا تزال الولايات المتحدة وفقا لأغلب المقاييس القوة الاقتصادية الأكبر المزودة بشبكة من التحالفات اكبر مما لدى غريمتها الصين .

و قد تحدث جوزيف جون المخضرم في صحيفة دى تسايت الألمانية الذي يعمل حاليا أستاذا للشئون الدولية بجامعة جونز هوبكنز عن أن (( الفشل الذريع في كابول بالتأكيد سيدمر ثلاث ركائز أساسية للقوة العظمى : الثقة و المصداقية و تماسك التحالف )) .

و قال كذلك (( سوف تفكر الدول مرتين بشأن اللجوء إلى الولايات المتحدة و التحوط من رهاناتها من خلال التوجه إلى روسيا و الصين )) . و يكمل (( و مع ذلك فإن ما يحدث ليس هو الانهيار . تضعف القوى العظمى حينما تضعف ركائزها المادية كما في حالة بريطانيا في القرن العشرين . و على النقيض لا تزال الولايات المتحدة القوة الاقتصادية الأكبر المدعومة بتفوق تكنولوجي و بأقوى جيش في العالم يستطيع التدخل في اى مكان على ظهر الكوكب ناهيك عن النفوذ الثقافي الواسع للولايات المتحدة الذي لا تتمتع به روسيا و الصين ))

و حتى بعد أفغانستان فإن انتشار الجيش الامريكى حول العالم سوف يظل مخيفا مع قرابة 800 قاعدة في أكثر 70 دولة .

أما دومينيك تيرينى أستاذ العلوم السياسية في جامعة سوارثوم و مؤلف كتاب الطريقة الصحيحة لخسارة حرب : أمريكا في عصر النزاعات الخاسرة The Right Way to Lose a War: America in an Age of Unwinnable Conflicts فقد أشار إلى أن (( الولايات المتحدة هي القوة العظمى الأكثر تدخلا في التاريخ المعاصر و حتى إذا كان البندول الامريكى يميل أكثر إلى عدم التدخل فإن الولايات المتحدة ستظل معنية بالأمر عالميا )) .

و لاحظ تيرينى أنه لم يكن حتى من الضروري خوض حرب في أفغانستان و أن الإدارة سوف تواصل تنفيذ غارات جوية من الجو باسم مكافحة الإرهاب .

و أكثر من ذلك فإن تقليل الوجود العسكري في أفغانستان و الشرق الأوسط المقصود به هو تخصيص الموارد لمنافسة أكثر ضراوة مع الصين .

أما المؤرخ و زميل معهد كارنيجى للسلام الدولي ستيفن ورثيم الذي تناول جذور القرن الامريكى في كتابه Tomorrow, the World: The Birth of US Global Supremacy. الغد و العالم : ميلاد السيادة العالمية لأمريكا فقد تحدث عن أن (( تقليل طموحات من عينة الشرق الأوسط الكبير من اجل التركيز على خصوم كبار هو شئ ربما يقوى الهيمنة الأمريكية جيدا و لا يضعفها . و أميل إلى الاعتقاد أن هذا هو ما نفكر أن تفعله إدارة بايدن غالبا )) .

و قال ورثيم انه بالرغم من أن شكل التدخل العسكري الامريكى من الممكن أن يتغير في أعقاب الهزيمة في أفغانستان . حيث قال (( من الصعب تخيل أن فكرة بناء الأمة بالقوة سوف تكون قادرة على إبقاء الحرب في أفغانستان )) معبرا عن أمله في أن المساعدات الإنسانية سوف توجه عبر الطرق غير العسكرية . و تابع (( بالنسبة لي فان هذا الأمر سيكون شكلا من الإنسانية أكثر إنتاجا من مشروع محفوف بالمخاطر يحاول قتل مجموعة من الناس من أجل إنقاذ أناس آخرين )) .

بالنسبة للمسلمين البوسنيين رغم كل ذلك فإنهم يعتقدون أن المزيد من المساعدات كان بوسعها أن تمنع المزيد من المجازر الصربية في 1995 . حيث قالت سوديك عضو الحزب المشار إليه سابقا عن سراييفو (( مع كل النقد و التحليل المستحق للسياسة الخارجية الأمريكية في العقود الماضية فإننا سوف نعيش لنتحسر على انهيار الطموح الامريكى )) .

و هناك مخاوف في سراييفو من أن تملأ روسيا و الصين الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة دون وجود نفس الاهتمام بمنع التقسيم الشامل للبوسنة وفقا لأسس عرقية .

و يتطرق بريمافادا جوبال أستاذ دراسات ما بعد الاستعمار في جامعة كامبريدج إلى أن (( واحدة من الأخطار الكبيرة بالنسبة للمحللين الذين يسعون لنقد الامبريالية هو الافتراض أن الغرب خصوصا الولايات المتحدة هو فقط الذي لديه طموحات و رؤية امبريالية . هذا أمر قاتل )) . و يكمل (( بنهاية هذا القرن أذا كان العالم هو صنع ذلك فإن مركز القوة الامبريالية سوف يتغير بالكلية )) و يضيف (( ما يهم هو أن مركز جذب الرأسمالية يتحول باتجاه الجنوب و أن لاعبين من روسيا و الصين و الهند سوف يظهرون على الساحة )) . 

الرابط الاصلى 

https://www.theguardian.com/us-news/2021/aug/21/after-the-chaos-in-kabul-is-the-american-century-over



   نشر في 31 غشت 2021 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا