يخصص المسلمون لمحمّد ﷺ مقامًا عاليًا واحترامًا كبيرًا، لذلك فإن أي محاولة للاستخفاف أو السخرية من هذه الشخصية، يؤدي عادة إلى الحماسة والشعور بالغضب قد ينتج عنها مظاهر عنف أو قتل أو اعتراضات غير منظمة، وهذا ما نشهده في العالم مؤخرًا.

محمّد ﷺ، راع وتاجر ورسول أمة الإسلام، يتحلى بشخصية كرزمتيه، قيادية ومحبوبة ومحترمة، كذلك يتصف بالصدق والأمانة، صفتان عززتا الثقة بينه وبين الطرف الآخر. لم يقدّم الإسلام النبي ﷺ على أنه مختلف عن باقي البشر، بل هو من البشر وهو نبي ورسول[1]، نشر الإسلام، فأصبحت أمته ثاني أمة في العالم بين مؤمنين ومتّبعين، إذ يبلغ تقريبا عدد المسلمين ربع سكان العالم حسب مركز بيو للأبحاث. فلماذا العلمانية تسخر وتتجاهل ربع سكان الكرة الأرضية؟

—

العلمانية هي فلسفة تتناول العلاقة بين الدين والدولة مؤيدة للفصل بينهما بحجة أنها تحمي حرية الإنسان في اختيار العقيدة التي يعتنقها، وبالتالي تحميه من تسلط أصحاب العقائد الأخرى، العلمانية تؤيد عدم تدخل الدولة في أمور الدين وتفرض على الدين عدم التدخل في شؤون الدولة[2].

في الفكرة النظرية للعلمانية نجد أن النظام السياسي الديمقراطي اليوم نظام يدعم العلمانية، ويحاول التركيز على حقوق الفرد في الحرية السياسية للفرد في التعبير والفكر والنشر والاجتماع، كذلك ينشر فكرة تقبل الآخر المختلف في المظهر والتصرف والعقيدة الدينية، والنتيجة المرجوة لهذا النظام هي إنسان حر في معتقداته الدينية أو اللادينية، فلا تفرضها الدولة عليه ولا هو يفرضها على أحد، يمارسها بحرية ولا تؤثر عليه سلبيًا أو إيجابيًا في أي ظرف من ظروف المعاش[3].

—

يعكس المفهوم العام للعلمانية احترام معتقدات الآخرين ديني أو غير ديني في محاولة لجمع جميع المعتقدات التعايش في دولة المواطن. فالفرنسيون مثلا يؤكدون على أن معتقداتهم العلمانية التي أسّست لها الثورة الفرنسية مبدؤها الحرية الفكرية، إلا أنه مبدأ منحاز للجهة الأقوى أي للسلطة. نتيجة ذلك تجد أن ربع سكان الكرة الأرضية تحوم حولهم الشبهات، وذلك لأن حرية التعبير العلمانية يشوبها التناقض، إذ تظهر شعارات "أنا مدرّس" مناهضة للعمل الإجرامي (ويسمونه إرهابي) متناسية أن واجب المدرّس التعليم بموضوعية فلا تكون حرية التعبير مصدر سخرية بل يكون التعبير عن الرأي الذي يطرح بطريقة علمية حجته مع الدليل والوقائع. فأين الدليل والموضوعية والمهنية في الصور المعروضة؟

السؤال هنا؛ لماذا يتحمس بعض المسلمين ويقوم بتنفيذ أعمال عنف غير لائقة بدين السلام؟ والأهم لماذا يشاركه البعض بحماس بالموافقة على إجرامه؟ أليست هذه الأحداث جديرة بالدراسة النفسية للمجتمع الإسلامي ومن ثم رسم خطة للتغيير الجذري في النفوس. الآخر يخطئ ولكن المسلمون أيضا يخطؤون وبعنف، فلماذا العنف وإلى متى؟

قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ سورة النحل:125.

—

الفهرس

[1] قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ﴾ الكهف:110

[2] Phillips, Gerard: Introduction to Secularism, N.E, London: National Secular Society, 2011, p 6.

[3] Phillips: Introduction to Secularism, p19.