سيدي حمو الطالب هوميروس الشعر المغربي الأمازيغي
يرتقي الشعر مكانة رفيعة راقية في ثقافات الأمم ,نظرا للعناية التي يحظى بها الشعراء ,فقد كانت العرب قديما تنشئ الولائم وتحتفل بنبوغ شاعر يحمي حماها وينطق باسمها ويذود للدفاع عنها بكلماته التي تبلغ في النفس أي مبلغ,كذلك الحال بالنسبة لليونان فكان شاعرهم الأول هوميروس صاحب ملحمتي الأوديسة والإلياذة يحاول تمجيد بطولتهم وقوتهم في الحروب والمعارك .
الشعر عامة غايته التأثير وتهذيب النفس والمشاعر هذا ما يجعله يلقى متابعة بالنسبة للمتخصصين والعامة أيضا ,وهذا ما سنحاول أن نتوسع فيه أكثر ما أمكننا ذلك من خلال أُنموذج لشاعر الأمازيغ الأول سيدي حمو الطالب.
سيدي حمو الطالب شاعر من بلاد سوس عاش خلال القرن 12 الهجري حفظ القرآن وعرف بسلكه مذهب التصوف .يقال عنه سيدي حمو الطالب " إكلين" بمعنى سيدي تقال في سوس للذي بلغ مكانة رفيعة في قبيلته أما الطالب فيقال للذي تخرج من المسجد حاملا لكتاب الله ويؤم بالناس في الصلاة,في حين "إكلين" فتعني المسكين وهذا ما يدل على كونه متصوفا زاهدا .
إن البحث في حياة وشعر هذه الشخصية المتميزة والجديرة ببحث محكم ودراسة دقيقة لشعره يجعلنا نعاني قلة المصادر والمراجع المغربية عموما والأمازيغية بشكل خاص ,في حين أنني عثرت على كتب أجنبية فرنسية وإنجليزية تحفل بشعر سيدي حمو الطالب مثل :
justinard :posées en dialecte du sous marocain
adrow old morocco and the fobriden atlas
Johnston :the songs of sidi hammou
كتاب الشعر والشعراء الأمازيغ للكاتب الألماني" شتوم" والقائمة تطول....
في حين أن المراجع المغربية عامة عثرنا على قلة قليلة تعرضت لشعر هذا الشاعر مثل:
ديوان أمانار لأحمد أوزال و كتاب سوس العالمة للمختار السوسي ثم مؤلف عمر أمرير "الشعر الأمازيغي المنسوب إلى سيدي حمو الطالب"
ألسنا نحن أهل هذا الثرات؟ ونحن الأجدر بجمعه وتوثيقه أكثر من الأجانب هذا ما يطرح استفهاما كبيرا ويؤكد في الآن نفسه غياب ضمير جمعي يوحد كلمة الحفاظعلى التراث الأمازيغي عامة والأدبي على وجه الخصوص.
إن اطلعنا على مجموعة من الكتب التي تناولت شعر الرجل جعلتنا نقوم بمقارنة ذهنية في المقام الأول بين شعره وبعض أشعار في التراث العربي والقران الكريم أيضا، وسنسعى إلى تنزيل هذه المقارنة من موضعها الذهني إلى موضع التطبيق و الأجرأة .
قال تعالى :(ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين).وتدل هذه الأية الكريمة من سورة الحج على الإنسان الذي يعبد الله حسب الحال والأحوال ولا يكون تابثا في الإخلاص والعبادة ،ومثل هذا المعنى أشار إليه شاعرنا الفذ في قوله :
إكن أماضون أر إتيني نتوب أرد نكرن
اسكار سيئات نرانين نرانين تيلي زرينين
ويعني بقوله :إن المريض حين يكون طريح الفراش يعلن توبته ،لكنه بمجرد شفائه يفعل نوبا أكثر من السابق، والمشترك بين الآية السابقة وبين البيت الشعري هو عدم التباث و الاستقامة وعدم العبادة عن حب وخوف، إنما حسب مقتضى حال الشخص ووضعيته في تلك اللحظة .وفي مقام اخر حول التكبر يقول سيدي حمو :
ايخ ياد الا يان الريش أور إزي دواكال
اشكو تمارا ايتاوين يان ارد إترس
ويعني بقوله هذا أن الإنسان مهما بلغ شأنه وعلا مقامه فلا يجب أن يتنكر لأصله وينسى ماضيه لأن الطير وإن حلقت في السماء لابد يوما أن تعود الى الأرض حين تتعب أجنحتها.وسنحاول أن نأخذ بيتا شعريا قريب في معناه لما سقناه أعلاه ومثال ذلك قول الشافعي:
ما طار طير وارتفع
إلا كما طار وقع
ما يجب أن يفهم من كل هذا أن التراث العربي والتراث الأمازيغي يشتركان في أشياء جمة وكثيرة وهنا نثبت ما قاله الجاحظ "المعاني مطروحة في الطريق" أي أن المعنى موجود في كل الثقافات تختلف الصيغة التعبيرية والاألفاظ الموظفة لأداء المعاني.