من أين لك هذا أيها النائب بمجلس نواب الشعب؟ من أين لك هذا أيها المسؤول بوزارة النقل؟ من أين لك هذا أيها المدير بشركة الطيران؟ من أين لك هذا ؟ سؤال يتبادر إلى أذهان أفراد شعوب العالم عامة و أفراد الشعوب العربية خاصة.

فإن كنت عربيا مقهورا، إن كنت عربيا مظلوما، إن كنت عربيا مُهمَّشا ترى الفساد ينخر دواليب دولتك و يهدد وطنك العزيز و تؤمن بضرورة التغيير و تشعر أن بداخلك مواطنا صالحا يحب وطنه و يغار على مصالحه و يبتغي الارتقاء به و النهوض بشعبه عن طريق مكافحة الفساد و مساءلة الفاسدين ما عليك سوى المشاركة في برنامج معهد الفضاء المدني على منصة سيكولوجي تحت عنوان " من اين لك هذا " و هو برنامج يتكون من مساقين بالإضافة إلى حوار شهري لبناء المعرفة و تنمية مهارات المشاركين عن طريق التعلم عن بعد من خلال منصة المعهد الالكترونية و الملتقى الثالث لمنتدى الممارسة الافتراضية.

و في هذا السياق أود أن أتقدم بأحر عبارات الشكر و الامتنان لادارة المعهد لمنحي فرصة المساركة في المساق الاول من هذا البرنامج الذي يمتد طيلة ثمانية أسابيع ابتداء من 26 أكتوبر إلى غاية 20 ديسمبر تحت عنوان " الشفافية و المساءلة و المشاركة "

خُصِّص الاسبوع الاول. للتعارف بين المشاركين و التعريف بالمفاهيم المطروحة في المساق أما الأسبوع الثاني جاء تحت عنوان " الاستحقاق" تعرضنا فيه الى مفهوم غطرسة الاستحقاق و علاقتها بالفساد و توالت الاسابيع تعرفت فيها الى مفاهيم جديدة و معارف و مهارات أرى أن اكتسابها ضروري لأي فاعل جمعوي خاصة و أي فرد عامة.

شاركت في هذا المساق رغبة مني في التعرف على اليات مكافحة الفساد من خلال المساءلة و في سياق ذكر الفساد أقدم لمحة عن الفساد في الدول النامية حيث ذكرت منظمة النزاهة المالية العالمية في تقرير لها أن الدول النامية خسرت حوالي تريليون دولار بسبب الاحتيال والفساد والصفقات التجارية المشبوهة في 2011 وهو ما يتجاوز حجم المساعدات الأجنبية التي تلقتها وأضافت أن تدفقات الأموال غير المشروعة من الدول الناشئة تتسارع. وقالت المنظمة أن الأموال غير المشروعة التي غادرت 150 دولة نامية بلغت 946.7 مليار دولار في 2011 بارتفاع 13.7% عن العام السابق وهو أكبر مبلغ منذ عشر سنوات. ويعني هذا أنه مقابل كل دولار من مساعدات التنمية الأجنبية التي تذهب للدول النامية تضيع عشرة دولارات عبر تدفقات الأموال القذرة. وقال ريموند بيكر مدير المنظمة "مع تعثر الاقتصاد العالمي في أعقاب الأزمة المالية العالمية يزدهر عالم الجريمة السري ويحرم الدول النامية من مزيد من الأموال كل عام". واستحوذت هذه القضية على اهتمام زعماء مجموعة العشرين الذين يجاهدون لاصلاح اقتصاداتهم بعد أزمة الركود في 2008 - 2009 ويواجهون فجوة متزايدة بين الأغنياء والفقراء ويكافحون التهرب الضريبي والشركات التي تستخدم في غسل الأموال وإخفاء الثروات غير المشروعة. وشهدت منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا أسرع زيادة في الأموال القذرة التي تدرها الصفقات غير المشروعة والجريمة والفساد. وارتفعت التدفقات غير المشروعة من دول المنطقة 31.5% بين 2002 و 2011 وهو العقد الذي أسهم في تفجر انتفاضات الربيع العربي. وجاءت في المرتبة الثانية منطقة افريقيا جنوبي الصحراء بزيادة 20.2% على مدى العشر سنوات المنتهية في 2011 وهي أحدث فترة تتوفر بياناتها. وأشار التقرير إلى أن آسيا خسرت أكبر حجم من الأموال وبلغت نسبتها 40% من 5.9 تريليون دولار من التدفقات المالية غير المشروعة من دول العالم النامي في فترة العشر سنوات وخسرت الصين 1.08 تريليون دولار لتتحمل نصيب الأسد من الخسائر.

و بالتالي أصبحت مساءلة المسؤولين و محاسبتهم ضرورة حتمية لمكفاحة الفساد الذي طال كل الميادين و أصبح ينخر دواليب الدولة و لتحقيق المساءلة لابد من تحقيق مقاصد الهدف 16 من أهداف التنمية المستدامة ال17 التي تتمثل أساسا في

 الحد بدرجة كبیرة من جمیع أشكال العنف وما یتصل بھ من معدلات الوفیات في كل مكان

 تعزیز سیادة القانون على الصعیدین الوطني والدولي وضمان تكافؤ فرص وصول الجمیع إلى العدالة

 الحد بقدر كبیر من التدفقات غیر المشروعة للأموال والأسلحة، وتعزیز استرداد الأصول المسروقة وإعادتھا ومكافحة جمیع أشكال الجریمة المنظمة، بحلول عام 2030

 الحد بدرجة كبیرة من الفساد والرشوة بجمیع أشكالھما

 إنشاء مؤسسات فعالة وشفافة وخاضعة للمساءلة على جمیع المستویات

 ضمان اتخاذ القرارات على نحو مستجیب للاحتیاجات وشامل للجمیع وتشاركي وتمثیلي على جمیع المستویات

 كفالة وصول الجمھور إلى المعلومات وحمایة الحریات الأساسیة، وفقاً للتشریعات الوطنیة والاتفاقات الدولیة

 تعزیز المؤسسات الوطنیة ذات الصلة، بوسائل منھا التعاون الدولي، سعیاً لبناء القدرات على جمیع المستویات، ولا سیما في البلدان النامیة، لمنع العنف ومكافحة الإرھاب والجریمة

 تعزیز القوانین والسیاسات غیر التمییزیة لتحقیق التنمیة المستدامة.

أخيرا و ليس اخرا أريد أن أعبر عن إعجابي بفكرة اسقاط جوانب من حياة و سياسة الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز الذي عرف بعدله و تمكنه من القضاء على الفقر خلال مدة حكمه القصيرة التي لم تتجاوز السنتين و كان دلك عبر حرصه على انتقاء عماله من أهل الخير والصلاح و التوسعة على العمال في أجورهم إضافة إلى امتناعه و منع أهله و حاشيته عن أخذ الهدايا والهبات. و لا ننسى سياسة الخليفة في التقشف و منع الإسراف والتبذير و لا ننسى أهمية فتح قنوات الاتصال و التواصل بين الولاة والرعية و محاسبته للولاة الذين سبقوه عن تصرفهم في أموال بيت المال و رده المظالم.