الإنقلاب أول النتائج العكسية للسياسة الطائشة لأردغان
مهزلة الإنقلاب
نشر في 17 يوليوز 2016 وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .
بعدما خاط الرئيس "رجب طيب أردوغان" لتركيا جلبابا سياسا شبه إسلاماوي , و هو ما يتعارض مع علمانية الدولة التي ارتضاها "كمال أتاترك" مؤسس تركيا المعاصرة نهجا سياسيا يتسع ليضم كل ألوان الطيف الثقافي العقدي و السياسي في هذا البلد المتعدد الأوصال الثقافية ، فضلا عن ذلك وضع أردغان كل السلطات التنفيذية والتشريعية بين يديه ، زائد اتخاد قرارات دولية خاصة دون مشورة المعارضة أو بعض قيادات حزب العدالة و التنمية الحاكم نفسه هذا ما يفسر استقالة " داوود أغلوا" من الحكومة و الحزب , و هو أقرب المقربين لأردغان و رجل الدولة الثاني بعده ، أو حتى دون الإستماع لأراء و فروض كبار القياد في الجيش , ذلك ما يفسر ذهاب الجيش التركي إلى شمال الموصل (العراق) دون رضا كبار جنرالاته , و هو ما أزم العلاقة بين الجيش و أردغان و بعض المتتبعين و المقربين منه ، ذلك ما يوحي باستفراده بقرارات حساسة تستوجب الإجماع لا الشخصنة ، في سياسة أقرب ما تكون للدكتاتورية منها إلى الديمقراطية التي يتبجح بها ليل نهر هذا الرئيس الذي لا ننكر فضله من جانب آخر في نقل تركيا إلى مصافي الدولة الحديثة على الأقل اقتصايا و علميا .
من جانب آخر و على صعيد علاقات تركيا الخارجية بات نظام أردوغان كل يوم يخسر أصدقاء حتى لم يعد من يقال عليهم أصدقاء سوى قطر و السعودية، و باتت دول كثيرة تنتقل من مربع التباعد الى مربع العداء تجاه نظام أردوغان، فالمستشارة الألمانية "إنجيلا ميركل" التى كثيرا ما أعطت الثقة للنظام التركي و كثيرا ما صبرت على أفكار أردوغان الان بعد أن انكشفت نوايا أردوغان اتجاه و مساومته بل و ابتزازه لميريكل و لكافة دول أوربا بملف اللاجئين كما هو معلوم , الان باتت برلين تهاجم أردوغان بكافة المحافل الدولية قبل أن يعلن "فرنسوا هولاند" يأسه من النظام التركي .
أما بالداخل التركي فقد انقطع أردوغان إلى مصادرة الحريات و الرأي خلال الفترة الماضية بعد أن أغلق مجموعة قنوات *سامان يولو* فى واقعة هى ليست الأولى من نوعها و لن تكون الاخيرة ، قبل أن يقوم النظام التركي بملاحقة و تهديد صحفيين جرائد *جمهوريت و حرييت* و *بوسطة و جوبون* ، و قبل أن يتم اغلاق صحيفة *زمان التركية* و فض وقفات قراء الصحيفة بالقوة على عادة رجال أردوغان "كجلال الدين ليكسيز" مدير الأمن العام و "افكان علاء" وزير الداخلية، و لا ننسى واقعة اعتقال *جان دوندار* رئيس تحرير جريدة *جمهورييت* على خلفية نشره لفيديوهات تؤكد تورط المخابرات التركية لنقل السلاح لداعش مقابل النفط العراقي، و كذلك اعتقال الصحفي "إرديم غول" و العديد من الصحفيين الذين حذروا من سياسات أردوغان الطائشة التى قد تكلف الدولة التركية الكثير . و هنا لم تتوقف أيدي أردوغان و بطشها اتجاه الاعلاميين و الصحفيين و السياسيين فقط بل و رجال القضاء أيضا و لنا فيما حدث لكلا من ""مصطفى باشر و قارون هابيل و ماتين اوزجليك"" و غيرهم من رجال القضاء الذين لم يسيروا فى عضوية الحزب الحاكم عبرة .
ناهيك عن طوق الرقابة المفروض على مواقع التواصل الاجتماعي ، التي إن لو لم توجد لكان أردوغان نفسه الآن مسجونا إن لم أقل مقتولا ، لأنه معلوم في تركيا إذا أردت أن تدخل إلى مواقع التواصل الإجتماعي يجب أن تدخل كلمة السر و معها "عنوانك الخاص " و إلا لن يفتح حسابك , كل ما سبق و غيره ليس من الديمقرطية في شيء ، ذلك و كما يقول المفكر المغربي الراحل حمد عابد الجابري :" أول درج الديقراطية هو أن تعطيني الحق في الكلمة ، في أن أعبر عن رأيي بكل حرية " , و هو ما لا يوجد في تركيا ، لذلك و حتى لا نبخس الناس أشياءا لا يستسيغا الواقع التركي ، نقول هذا البلد يخطوا نحو الديمقراطية فقط حيث لم يبلغها بعد , كما يسوق لذلك بوقاحة الرئيس أردغان نفسه .
فظلا عن تدبير أردغان الإجرامي للأزمة السورية ، حيث فتح الحدود في وجه كل متطرفي العالم ، و سهل لهم بذلك الدخول إلي سوريا لكتابة شهادة وفاة النظام السوري ، لكنهم بالعكس تسببوا في خراب سوريا و إعمال السلاح في شعبها و تسييل دمائهم أنهارا ، فكم هو مجرم أردغان على الأقل في هذا الصدد ، و كم هو مسؤول عن دخول آلاف الإرهابيين لسوريا انطلاقا من تركيا تحت مرأ و مسمع من حكومته ، و الأوقح من ذلك هو أن التاريخ سيشهد بأنه استغل بدون ضمير ملف اللاجئين السوريين لقضاء مئاربه مع أوربا .
كل هذا و غيره خلق مخاضا ولد اختلافات عميقة ضد سياسة أردغان البرغماتية ، ذلك ما تسبب في محاولة إنقلاب باءت بالفشل لحسن الحظ ، لأنه لو نجحت لطمست بصيص الأمل المتطلع للديمقراطية في تركيا ، كما انطفئ في مصر بسبب الإنقلاب و حكم العسكر مع الأسف ، لذلك كانت ردت فعل الشعب التركي حكيمة و فعالة من أجل الحفاظ على المكتسبات ، و هو ما يعكس فعلا مدى انتشار الوعي السياسي عند هذا الشعب الأبي ، فكما قال المفكر " كارل كراوس Karl Krauss " : ( من بين أمرين سيئيين أختار الأقل سوءا ) ، فالكل يعلم أن الإنقلاب سيء و خطير على مستقل البلاد ديمقراطيا ، كذلك لا يخفى عن أحد هوة و خبث السياسية العبثية الحالية لأردغان خصوصا علاقاته المضمرة مع تجار النفط الدواعش و تدبيره الخسيس لملف الثورة السورية ، لكن مع ذلك تبقى أقل سوءا و أحسن نسبيا من سياسة العسكر ، لعل هذا ما دفع الشعب التركي إلى الوقوف ضد الإنقلاب و اختيار الشرعية ، بدل الدخول في متاهات و دهاليز الإنقلابات التي مخرت عباب السياسة التركية منذ النصف الثاني من القرن 20م حتى اللحظة .
حري بالذكر أن الإنقلاب بدأ عشية يوم الجمعة كما شهد صباح يوم السبت فشلا دريعا, حيث استسلم جنود موالين للانقلاب عبر جسر البسفور ، بعد أن نجحت عناصر الشرطة والقوات الخاصة التركية في منع محاولة عصيان عسكري قادها بضع جنرالات بالجيش التركي ، ما تسبب فى حالة من الإنفلات الأمني فى العاصمة أنقرة استمرت 8 ساعات عرفت إعتداء عدد من الأتراك على الجنود المستسلمين في محيط جسر البسفور بالضرب والإهانة ، دون اللجوء للسلطات المختصة , بل وصل الأمر إلى جريمة نكراء أفادت بها عدت شبكات إخبرية تركية تمثلت في ذبح أحد الجنود الإنقلابيين دون محاكمة و دون تمليك الضحية حق الدفاع عن النفس قضائيا , و هو ما لا يمكن أن يتقبل و لو بشكل من الأشكال . زائد وفاة 260 شخصا وإصابت 1440 آخرين بعد أعمال عنف الليلة المذكورة , فضلا عن اعتقال أكثر من 2240 جندي و 266 طالب بالكلية العسكرية .
ماذا بعد فشل الإنقلاب :
لا نتفق مع الآراء التي تقول بأن الرئيس أردوغان سيخرج أقوى من محاولة الانقلاب الفاشلة هذه ، بل نعتقد انه أضعف بكثير من أي وقت مضى، ولا نبالغ إذا قلنا أنه أدرك أن سياساته الأخيرة الاقليمية والدولية، باتت تعطي نتائج عكسية ، وتشكل خطرا على تركيا نفسها ، ولذلك قرر التراجع عن معظمها بالعودة الى سياسة صفر مشاكل مع الجيران ، وفتح قنوات حوار مع خصومه في سورية وروسيا والعراق ومصر، واسرائيل، لإمتصاص حالة الاحتقان ، وتجنب الغضبين العسكري والشعبي .
على أن حصاد القول يفضي بنا , إلى اعتبر هذا الحدث الذي يجب أن نستوعب حكمته شعوبا و حكاما ، ذلك و الأكيد وفق تقديرنا أنه سيؤثر في مستقبل الإنقلابات في المنطقة خصوصا عربيا ، كما اتضح أيضا أن الشعب التركي اختط ورقة ذهبية في التاريخ بأنه شعب عظيم جدير باحتظان الديمقراطية و الدفاع عن المكتسبات ، و كأنه ينادي الشعوب المغلوبة عن أمرها بأن تثيق في نفسها و أن تتحلى بالشجاعة و الوعي السياسي من أجل إبطال كل ما في مقدوره المساس بقدسية كرامة و حرية الشعب ، " فلا تمتلك أي جهة ناصية التغيير إلا الشعوب " .