تتجول في أسواق المدينة، فاذا بالباعة منهمكون بالبيع والشراء وعرض السلع، يستوقفك متجر لبيع الكتب يمر المتسوقون من أمامه دون توقف، يجلس صاحبه وكأن غبار الزمن وهمومه قد حطت على عاتقيه، ينفث دخان نرجيلته من أنفه ضجرا، تواصل السير فاذا ببائع الصحف يسير هائما على استحياء كمن يبيع بضاعة كاسدة يود لو أن أحدا اشترى منه نسخة من الجريدة اليومية، تعرج على المكتبة العامة فتجد الكتب مكدسة قد اصفرت صفحاتها تبكي ندرة القراء، تلف أدراجك منهكا راجيا أن تجد ضالتك في بيت صديق، وما أن تجلس حتى تبتهج لرؤية ركنا في بيته قد اصطفت عليه بعض الكتب كالعساكر في الطابور، تستأذن صاحبك في تصفح بعض منها، فيسمح لك والبسمة على محياه يكاد يخفيها، لأنك أول شخص يفتح هذه الكتب منذ شرائها، انها موجودة للزينة فقط... ربما يكون السبب يعود الى الشبكة العنكبوتية التي باتت توفر للمستخدم الكتب والمعلومات من خلالها، تتصفح الشبكة العنكبوتية فاذا بمواقع الترفيه والتسلية... تعج بالمستخدمين بينما المواقع الثقافية والادبية والعلمية تستجدي المستخدمين استجداء لزيارتها. وكأن لسان الحال يقول "ما أنا بقاريء".
رب صديق يشتاق الى صديقه تارة ويمله تارة، يجاريه أحيانا ويماريه احيانا أخرى، ويختلف معه ان اختلفت المصالح، الا أن كتابا لهو خير جليس وأعز أنيس في سكون الليل يعطي دون أن يأخذ، فيه عصارة أفكار وجهد وعلم وخبرة استغرق العمل فيها سنوات عديدة قبل نشرها، وضعها كاتبها بين دفتي كتاب جاهزة لمن أراد دون عناء، ينهل منها ما يشاء، فالقراءة غذاء العقل ومتعة للروح، تحاكي الماضي ونزهة للحاضر ونور للمستقبل فهي تقرب المسافات وتخترق الحواجز والحدود، بها تحاكي شعوب الارض، حكامها ومحكوميها، أغنياءها وفقراءها، بها تسافر في المعمورة عبر الزمن مع من شئت دون اذن او تأشيرة سفر، بها تصقل الشخصية، وتشحذ المعرفة، ويتقرب بها الى الله، وتقوى بها الحجة ، ويرفه بها عن النفس، فيها استثمار للوقت، وفصاحة للسان، فهي وسيلة التعلم بها بدأت الرسالة وبها انتشر الاسلام وبها سادت الامم، بها تبدأ الشعوب من حيث انتهى أسلافها فتبني لنفسها حضارة والا احتاجت الى اختراع العجلة من جديد.
ان الدارس لتاريخ العظماء ليجد أن الواحد منهم لا يتوقف عن القراءة والاستماع الى أهل العلم، حتى أن بعضهم قد قراء في حياته أكثر من خمسة آلاف كتاب، بل وتجد في مكان اقامته مكتبة يخصص جزء من وقته لقضائه فيها ليس هذا فحسب بل وتجد بجوار سريره كتابا يقرأ منه بضع صفحات قبل نومه ويحمل معه كتابا في حله وترحاله. ومنهم من يتعلم اللغات الاجنبية حتى يتسنى له دراسة ثقافات الامم وينهل من معارفها وعلمها.