كتقلبات الفصول , أصبح هو حال الإنسان ! .. بقلـــــم / نـــــورا محمـــــد .
نشر في 03 نونبر 2018 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
لهيب لا ينطفأ تشتد به نيران الغضب , نسمات هادئة لا تنم عن قيام أي عاصفة وهياج لن يهدأ , بدايات برود لا يُثير العنف والضيق , ثم الصقيع الذي لن ترى الإنسان فيه إلا مجرد جسد يغدو في الحياة بلا أي إنفعال أو رد فعل ..
كلها مراحل تمر به وهو لا يشعر بذلك , هو فقط يسير مع التيار ويحسبه نتيجة أفعاله , ولكن الحقيقة مختلفة وما خفي كان أعظم , فإذا كانت للحياة فصول تتغير بموعد مُحدد , ويستحيل أن يتبدل فصل مع فصل أخر , أو يجئ في موعد قبل موعده المُقدر , أو حتى يعتذر عن القدوم تحت أي عذر من أعذار الطبيعة , فـ البشري أيضاً له فصول تجئ طبق موعدها المُحدد , وبحسب كل فصل تتضح ملامح وتكوين شخصيته أشد الوضوح , بل وتجد أن لغزه بدأ ينكشف أمامك بمنتهى البساطة , كيف ذلك ؟ , كيف يُمكن لإنسان لا حول له ولا قوة أن يكشف أسرار النفس البشرية لإنسان أخر يختلف عنه كل الإختلاف ؟! , نعم أنت لا تتفق معي وأنا لا أتفق معك , أنا وأنت لنا شخصيتنا المستقلة , الآن أنت تمر بفصلك الخاص , وأنا كذلك , فكيف نتفق إذاً والحالة مُتنافرة كل التنافر ؟! , ولكن إن أردت أن تكتشف السر فاتبعني , قد تجد الحل لهذا اللغز الأصعب من لغزك أنت من الأساس ! ..
أنت , ضائع بين لحظاتك الغريبة تلك !
أتتذكر تلك اللحظات بين كل فصل و الأخر ؟ , بين فصل الصيف وفصل الخريف على سبيل المثال ؟ , تجد ان الوضع يتغير وتشعر بذلك التغيير , تشعر أن الطقس بدأت حرارته تنخفض , وأوراق الأشجار التي لطالما زينت الطبيعة بألوانها الخلابة , خضراء لامعة تنتشر عبر الطرق وتبعث فيك كل معاني الجمال , وبرغم حرارة الجو القاسية وخيوط الشمس التي لم تكتفِ بفرض سيطرة أشعتها الذهبية عليك , بل وجعلك تفقد توازنك أياماً لشدتها , إلا أنك تجد في ذلك الفصل نوعاً من أنواع البهجة , ملحوظة " كلامي موجهة لأنصار فصل الصيف وفقط فإن كنت من أنصار الشتاء فعليك التغاضي عن كلماتي التي لا جدوى لها لديك " , زهور , حمراء قوية اللون , تسر الناظرين , وتُبهرنا بقدرة الخالق في إبداع لا ينتهي , ولن يُكرر , هي لوحة الطبيعة التي لن تقوى كل أيادي الفنانين على وضع ريشتهم الفنية بها , هي لوحة إستثنائية , حرارة الفصل لن تترك بحالك ! , مع الأسف أنت مُجبر على الخروج يومياً لتواجه ذلك الطقس بمفردك , تُعافر من أجل الوصول لمقصدك , إن كان عملاً أو مكان لتلقي العلم , وفي الحالتين لن تجد سوى شعور واحد وفقط " الضيق والتعب والإجهاد " , الشعور الذي يولد داخلك بمجرد أن تستيقظ من نومك حتى ! , فما بالك بتلك المعركة العنيفة ؟ , التي تستقل فيها زمام الأمور وحدك وساحتها " طريق الحياة " , تعود إلى منزلك فتُغير محل إقامتك وتصبح " ثلاجتك " , نعم , فما لك سواها بعد تلك الرحلة المُهلكة لأعصابك كل يوم , فهل تجد شيئاً أجمل من أن تقضي ساعات وساعات وأنت تروي عطشك بماء مُثلج ؟ , هو الإنتصار الذي تطمح له منذ أن حل عليك هذا الفصل المُخيف رغم تفتح زهوره رائعة الألوان ! , وبعد أن تقضي أياماً واسابيعاً وشهوراً وأنت تُعافر تلك الحالة القاسية , وتتقاذفك رياح دافئة مُقدمة من الحياة , ثم يأتي الغيث فجأة , ورغم معرفتك ودرايتك بموعد قدومه ولكنك يأست في قدومه أشد اليأس ولم يكن في حُسبانك أن يفي بوعده وينقذك أخيراً , فقد أصبحت شمعة تحترق وأنت تبغض أن تحترق من أجل شئ , انتشلتك بعض النسمات الباردة , كأنها قطرات ماء إخترقت جوفك بعد أن قضيت قروناً ضائعاً بين رمال صحراء جرداء لا زرع بها ولا ماء ! , هذا الإختراق هو المحبب لقلبك حينها , وتلك النسمات هي الأقرب لروحك أيضاً , فقد جف عرقك الذي فاض على جبينك كأنه يحاول إغراقك فيه ولكن كتلتك ظلت تطفو على سطحه في مقاومة حتى مجئ طوق النجاة , وقد جاء , فلتبتهج إذاً الآن , فهو الخريف يا سادة , الذي يُبدل شعورك بالضيق والحنق إلى القليل من الراحة والهدوء , ولكنه هدوء ليس مُكتملاً ! , في الخريف أنت مُشتت , لا تدري , هل تخرج للحياة بملابسك الصيفية أم الشتوية ؟ , هو فصل وسطي , يفصل بين نيران الغضب , وبرودة الأعصاب , فقط فيه قليلاً من التوازن , الذي ستألفه , ولكنه فصل الحيرة , فصل التردد , كيف تغدو بتلك الحياة إذاً بعد أن تغيرت الأحوال هذا التغير وإن كان طفيفاً , لقد تعودت على حالة الضيق , والخروج بكامل غضبك وأنت مُرغم على مُقاتلة شمس الكون , وحرارتها التي لا تعرف معنى للرحمة بصغارها البشر , فبعد كل ذلك تجد أن الشمس بدأت تهدأ وتستسعيد خيوطها بعد أن نثرتها عليك , وحرارتها قد إستيقظ ضميرها وانسحبت قليلاً حتى تمنحك بعض السعادة " المؤقتة " لرحيلها , كيف تتأقلم على هذا الوضع المُفاجئ وأنت المسكين ؟! , ولكنك مع كل صباح , ومع كل نسمة باردة إلى حداً ما تبدأ بالتأقلم , تتلقى تلك النسمات بصدر رحب , تسمح لها أن تصفع وجهك ولا ترد لها الضربة أضعاف مُضاعفة , أصبحت في تلك الحالة مُستسلماً وهو الإستسلام الوحيد الذي لا ضعف فيه .. أرأيت لقد تأقلمت أخيراً ..
ولكن .. هل تحسب أنها النهاية ؟! ..
الخريف , الذي تسير معه بمرونة وسلاسة , وتنتظر الُمفاجأة التي على وشك المجئ هي الأخرى , التي ينتظرها أنصارها على احر من الجمر الآن وأراهم من وراء شاشتي الصغيرة , ولكن قبل أن تحل المفاجأة , فتبدأ التغيرات الجديدة التي تعصف بك أنت , أتتذكر حينما أخبرتك أنك بنسمات الخريف أصبحت كمن وجد مصدر ماء في عمق الصحراء ؟ , نعم لقد أصبحت هكذا ولكن أتتوقع أن تظل على تلك الحالة طويلاً ؟ , بالطبع لا , فالتغيرات الجديدة أشد قسوة , أكثر صرامة , الطبيعة الآن إتخذت بعض القرارات القارسة التي لا مفر من تنفيذها , ولن تقوى على الفرار منها , قرارات الطبيعة ليست بمجرد قرارات وحسب , فكل قرار له أكثر من أثر على نفسك , أثر إيجابي وأخر أشد من السلبية نفسها ! , القرارات تتمثل في : سلب حرارة الشمس " وهو الأثر الإيجابي والخبر السعيد الذي إنتظرته منذ زمن " , ولكن هل تعتقد أن غياب الشمس سيبعث فيك أي مظهر من مظاهر الدفئ , وإن كانت الأسرة والأصدقاء والبشرية بأكملها يلتفوا حولك في محاولة لتدفئتك ؟! , إذاً أول قرار قد نُفذ , قرارها الثاني : تيارات وعواصف لن تهدأ " لمُحبي البرد , أنتم الآن على موعد مع مطبات هوائية تقذفكم لأخر الدنيا " , قرارها الأخير : هو منحك شيئاً من برودها القارس , نعم لقد عُرف الشتاء ببرده القارس الذي لا يحتمله إلا الأقوياء , أصحاب الهمم القوية والإرادة العالية , وأصحاب المدفأة التي لا تتعطل يوماً أيضاً , ولكن هل مررت بذلك الشعور الذي وجدت فيه " اللامبالاة " قد سيطرت عليك ؟ , لا تكترث لأي شئ ولا تُعطي الأمور أي إهتمام ؟ , حالة من الهدوء , هدوء لم تعهده يوماً , تتلقى خبر إستبعادك من وظيفتك كأنك إستقبلت خبر ولادة إبنك مثلاً , تبتسم وتستمر في سيرك , يمر عليك أخر الشهر وأنت لا تعبأ هماً لما في جيبك , وإن كان فارغاً فما الداعي لتنزعج حتى ؟! , هو مبدأك حينها " طنش تعش تنتعش " , لا تعبأ حتى لملابسك , التي تفننت في نهشها أتربة العالم , وتمادت إطارات السيارات في وضع لمسات الطرق الممتزجة بمياة الأمطار بها كأنها لوحة الطبيعة الآن ولكنها قد وجدت مكاناً أخر لتستقر فيه , بنطالك ! , ولكنك تحت تأثير اللامبالاة لا تشعر أن الطرق تكتظ بتلك السيارات من الأساس ! .. برود قارس , أرأيت كيف أصبحت ؟ ..
تمر الأيام , وتتفتح زهورك من جديد ..
وبعد شهور , تعود الحياة لتتلون بتلك الألوان التي لا حضر لها , كل مشتقات الألوان تجد الزهور تتلون بها , وأنت لا تعرف سوى الأخضر والأحمر والأزرق , أرأيت أنت مسكيناً حتى في العلم بأبسط الأشياء ؟ , ومع تفتح كل زهرة , تعود أنت لحيوتك من جديد , ويبدأ تأثير مخدر اللامبالاة في الإضمحلال والإنحلال حتى تفيق من جديد , وتجد كرنفالات الطبيعة قد بدأت , هنا وهناك , لعب ومرح , الدنيا ربيع , أصوات السندريلا تعلو , وأعياد الربيع تتفتح هي الأخرى , فتستنشق روائح الزهور التي تبعث في نفسك السعادة , والشمس تعود لتُدفئك من جديد ولكن ليس بتلك الدرجة التي تُحرقك فيها كما وجدت في صيفك , الآن أنت في حالة النشوة والسلام , الضيق الصيفي إنحرق , التردد الخريفي إختفى , اللامبالاة الشتوية تحللت , والآن أنت في حالة مختلفة وهي حالة الإزدهار ..
والآن , ما هو موضعك في فصولك أنت ؟ ..
أتشعر أنك تمر بحالة سعادة وترى الحياة كلها أزهار وألوان وحب وإقدام ؟ , ترى الفراشات تنتشر وتغزو عالمك الصغير ؟ , أم تجد أن عاصفة الغضب على مقربة منك ؟ , وعلى وشك أن تُهدد إتزانك وحرارة ضيقك بدأت ترتفع ؟ , أم الحيرة والتردد والضياع أصبح هو المسيطر الوحيد عليك ؟ , ولا تقوى حتى على أخذ قراراً بالإنسحاب عنه ! , أم أنك تنظر لكل هذه الأسئلة نظرة لامبالاة كأنك لا تراه من الأساس ؟! ..
كن على يقين من هذه الحقيقة ..
أنت جزءاً من الطبيعة , والطبيعة تتبدل , فكيف لك أن تظل كما أنت مدى الدهر ؟! , ولكنك تتفاعل مع تغير الطبيعة تفاعلاً ملائماً حتى تستطيع أن تعبره بسلام , وأنت كذلك , تعامل مع التغيرات التي تطرأ عليك بالشكل الأمثل وكما يجب , حينها وفقط لن تجد سوى رحلة مختلفة ممتعة قد مررت بها وخرجت منها بدروس وعِبر , وتذكر , لا تحسب نفسك خارج حدود التغيرات , أنت التغير الوحيد الذي لا ثبات له ..
التعليقات
كلنا هو التغير الوحيد الذي لا ثبات له ..دمتى مبدعة
أعتقد أن تقلبات الانسان في آخر الزمان كألف فصل بحسب الحاجة و المادة و المصلحة..أتساءل بيني و بين نفسي أين تدور بوصلة القيم و الأخلاق..أرجو أن تكون التلقبات كعدد الفصول الأربعة ربما نستطيع التأقلم مع الحرارة و البرد و الغيم و الشمس
أحسنت يا غالية نورا ..استمري.............قبلة تقدير على رأسك الشامخ شموخ الأهرام.