أبي الحبيب, سلام محمّل بشوق يأبى أن ينضب,
عشر سنوات مضت منذ آخر مرة تكلمنا فيها سويا, ومنذ آخر مرة رأيت فيها تلك الفلجة الصغيرة بين قواطعك العلوية. هل تذكر عندما سألتك في صغري عن هذه الفلجة وأجبتني أنك في طفولتك لم ترم قواطعك اللبنية للشمس بل دفنتهم في حديقة جيرانكم فكان هذا عقابك!
لديّ خزين كبير من الذكريات التي تجمعنا سويا, أستمد منه طاقة إيجابية تدفعني للأمام وترسم الابتسامة على ثغري كلما أحاط بي سواد جدران الحياة. أعرف أننا نسكن في دارين مختلفين وأن الوصول إليك ليس من الممكن, لكنه الشوق يا حبيبي. الشوق إلى نطق كلمة بابا, والشوق إلى رائحتك الأبوية المميزة وإلى رمي رأسي على صدرك المتعب, وإلى قبلتك الدافئة على جبيني في العيد, وإلى أن أفاجئك وأغمض عينيك بيديّ ثم اسألك: "من أنا؟" ..وإلى, وإلى, وإلى...
يا حبي الرجولي الأول,
في غيابك كل شيء -عداي- على حاله لم يتغير. أصارع الحياة وتصارعني فمرة أكسب ومرة أخسر, وفي كلا الحالتين أبحث عن وجهك البشوش بين الوجوه الكثيرة التي حولي تهنئني بفوزي أو تعزيني بخسارتي, فلا أجده! فأفرح بغصة أو أحزن بمبالغة, وأذكر كيف كنت أستمد من عينيك العميقتين شعور الأمان والسند الذي يعينني في تحديات حياتي, هذا الشعور الذي فقدته منذ زمن بعيد.
يا أيها الحاضر الغائب,
مازلت أذكر تلك التجاعيد الرقيقة التي تظهر حول عينيك كلما ابتسمت وأنت ترانا ننتظر عودتك من العمل عند عتبة بيتنا. أُسابق إخوتي الصغار وأصل إليك أولا فأرى وجهك المرهق من سباق الحياة, ذلك الوجه الذي كان شمسا تضيء دنياي وتملأها دفئا. وعندما تدخل البيت فكأنما دخل الربيع بعد طول انتظار, فترقص الجدران وتطرب عصافير الكناري التي لم تحتمل الحياة بعد رحيلك, فأسلمت الروح بعد موتك بشهر.
أبي يا ريحانة قلبي, حتى مع رحيلك عن دنياي فذكراك في قلبي هي عهد سيبقى دون نقض!
-
نور الكنج...
التعليقات
رائعة يا نور ،،،
ورحم الله اموات المسلمين جميعا .