واقع مصري
الصراع المذهبي و الفكري الذي تحول إليه الواقع المصري
نشر في 11 يونيو 2020 .
موضوع شائك بيننا كأفراد داخل مجتمع لا أجد وصفا مناسبا له إلا أن أقول ليس بالمجتمع الذي نتباهي به و بعراقته و تدينه و قيمه و أاخلاقه ، و الذي لا يمثله الآن إلا بعض المسلسلات الدرامية القديمة التي كانت تحاول أن تظهر وتوصل قيمته للعالم ، و بعض المواقف التي أصبحت قليلة ونادرة نتحاكي بها وكأنها من معجزات العصر .
أصبح المنهج التفكيري للفرد سلبي لدرجة أوصلته أنه لا يستطيع فهم أو تحليل أو ربط موقف إلا بالطريقة أو المذهب الفكري الذي يعتنقه ؛ فترتب عليه أن أحكامه أصبحت متعصبة و إنحيازية لفكرة معينة لا يقبل المناقشة فيها ، فأصبحت المطلق بالنسبة له وما دونها باطل بلا شك .
و عليه عند حدوث أي حدث معين عقله لا يستطيع إلا أن يأتي بهذا الحدث ويسير به في طريق وحيد لا يصلح غيره ، حتي يثبت الرابط بين هذا الحدث وبين الفكر الذي يعتنقعه ، ولا يقبل إلا أنه لا يحدث إلا بهذه الطريقة.
فإنقسمت العقول لمذاهب ، لا نقول أنها تختلف مع بعضها بل الوصف المناسب أنها تتقاتل و تتصارع فيما بينها . فأصبح الحق عند البعض باطل لدي الغير و الباطل حق ، و صار مذهبه مطلقا لديه لا ينسب إلي مستوي التصور و التطبيق ولا يحتمل التحقيق فيه أو البحث و التحليل ؛ بل قد إختلقت الدوافع المضللة لتنسب الحق له و تلصق الباطل بغيره وغيرها من صور التشدد و التعصب .
نؤمن لا مانع من الإختلاف ونرحب بذلك ، حيث أنه يتيح مجالا واسعا لتعددية المذاهب الفكرية فيثري الثقافة و العلم . إلا أن ما وصلنا إليه هو التعدي بشتي الأساليب ولا أخجل أن أصفها و أقول (القذرة ) علي من خالفنا الرأي ، و محاولة إظهاره بالصور السيئة لأتباع المذهب ؛ حتي ينفروا من أبسط الأمور وهي الإطلاع خوفا من تصيبه فتنة مثلا أو يضل . فاصبحت إمعيته لبعض محتكري و مدعي العلم في مذهبه و قصر معرفته مبررا و ملجأ من عدم الإطلاع و التحقيق ، و أكتفي بالنظر و بعض التفكير علي أسس مذهب تفكيري واحد ؛ فسلبه من نعمة ميزته عن سائر الخلق و هي إعمال العقل فأصبح يقلد دون أن يبصر ، وأصبحت بعض الكلمات التي تبشر بالنجاة مخدرا له ، وصار يسب و يلعن وينفر من غيره لإعتناقه مذهبا غيره ، ويبشره بالهلاك ؛ فلا يلقي إلا مثل ما أتي فيأتي غاضبا مما لقي ولا ينظر أنه هو من ألقي أولا . و حتي يتناسب الحديث بما يتماشي به واقعنا أنك إن تحدثت بحق تراه فإما أن تكون : ( طبلة ) عند البعض أو ( خروف ) لدي الباقي ، أو أن تكون (علماني ملحد )او (متدين متشدد ) ، (صوفي مبتدع ) أو (سلفي رجعي ) ، وغيرها من المتضادات فلا يستقيم للناس أنك تقول رأيا يعبر عنك لابد من تصنيفك ولن تلقي إلا السباب .
تعلمنا ممن لا ينطق عن الهوي أن الجسد إذا اشتكي من عضو تداعي له سائر الجسد ، إنما ما صرنا إليه هو إذا اشتكي عضو لا بد من قطعه و التخلص منه و إبعاده عن الجسد ، أو أن ينهش ذلك العضو في سائر الجسد حتي لا يسقط وحده ، و تركنا الود و التراحم و الوحدة و تفرغنا لنصارع بعضنا الأخر .
عثونا في الأرض فسادا قتلنا وهدمنا وخربنا وسرقنا و خنا الأمانة وقطعنا الأرحام ، ونتسائل لما وقع بنا البلاء ، ولم نتوقف عند ذلك بل ألصقنا سبب البلاء في غيرنا وألصقنا به التهم ، و كأن لا خالق هو المبتلي و الشافي ، وأننا جميعا في البلاء سواء إلا من رحم الله و هو الأعلم بمن رحم .
لا أستثني نفسي فليس مرض ما أصاب الجميع و نهش العقول و أظهر ما تخفي النفوس ، إنما هي فتنة تأكل الاخضر و اليابس لعن الله من أيقظها و ساعد في نشرها .
نسأل الله تعالي أن يمن علينا بعطائه ويشملنا في رحمته و يعفو عن ويطهر قلوبنا مما أصابها و يرفع البلاء و الوباء عنا .