رحلة حنين... للطفولة والحياة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

رحلة حنين... للطفولة والحياة

  نشر في 07 نونبر 2019  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

كعادتها كل مساء.. تنام حنين وهي تحتضن لعبتها المُفضلّة من الفرو.. رغم أن هذه اللعبة قد امتلأت بالرقع التي خاطتها لها أمها.. إلا أنها ترفض التخلّص منها.. فهي تشعر بحنان كبير عندما تحتضن تلك اللعبة وتنام.. حنان ربما فقدته من أب وأم لا يهمهما شيء سوى أن يكونا سعيدين بغض النظر عن أطفالهما الستة.. وككل ليلة تطلق حنين العنان لخيالها وهي تُحضّر المقالب التي ستقوم بها غداً مع صديقاتها.. لكن ترى هل ستكفي استراحتين لتقوم بكل المقالب التي تُخطّط لها؟.. لا لن تكفي.. ففي عقلها الطفولي المرح المئات من الأفكار المضحكة.. وتحتاج لوقت طويل كي تنهيها..

تستيقظ في اليوم التالي وهي ترقص فرحاً.. إنها الوحيدة بين إخوتها المولعة بالمدرسة.. الأمر الذي تستغربه الأم على فتاة في عمر الثانية عشر.. فعادة الفتيات في هذا العمر يبدأن التذمر من الدراسة والمدرسة.. لكن حنين غير كل فتيات جيلها.. فقد وضعت في رأسها هدفاً بأنها تريد إتمام تعليمها.. تريد أن تكمل دراستها الجامعية وتكون طبيبة أطفال.. هذه هي حنين.. وتلك هي أحلامها الطفولية البريئة..

تركض في الطريق... تسلّم على كل من تراهم.. تشتري الشوكولا التي تحبها.. وتكمل طريقها إلى المدرسة.. محبوبة هي من كل مُدرّساتها وصديقاتها.. معروفة بذكائها وقدراتها العقلية التي تفوق عمرها.. ورغم أنها تربت في بيئة شعبية فقيرة.. ومنزل يفتقر إلى أبسط الأمور التثقيفية والترفيهية.. إلا أن لحنين عقلاً يُعبّر عن وعي وثقافة كبيرتين.. هذه هي حنين.. ببساطتها وعفويتها وضحكتها..

ينتهي وقت الدوام.. تودع حنين صديقاتها وتمشي وهي تلتفت إلى الخلف... وتُفكر في مقالب الغد.. فغداً حصة الرسم.. والآنسة سعاد تعودت أن تستقبلها حنين بمقلب ظريف تضحك به كل الفصل.

تصل حنين أمام المنزل.. فتجد سيارة فخمة مركونة إلى جانب باب منزلهم.. وتستغرب وجود سيارة مثلها في حي كهذا الحي.. وأمام منزلهم حصراً.. ومن أين لوالدها بأصدقاء أغنياء وهو مجرد بائع للدخان على إشارات المرور.. وكسله وعنجهيته تجعله يفتعل المشاكل يومياً مع كل من حوله ويعود إلى المنزل وهو يضرب يده على الحائط ويقول بأنه لن يذهب إلى العمل غداً.. وزوجته تحاول تهدئته... وهكذا هو روتين كل يوم.. إذاً.. كيف لسيارة كهذه أن تصل إلى باب منزلهم؟...

تدخل حنين إلى غرفة الجلوس المتواضعة فتجد والدها ووالدتها جالسين مع رجل غريب.. ترمقه بنظرة تجمع بين الصدمة والدهشة.. وكأنها تقول له (مين انت؟)... ويبدأ والدها الحديث..

_ هي هيي حنين.. شو رأيك بهالصبية الأمورة؟

_ ماشالله عنها فلقة قمر.. كيفك يا حنين؟

تجيب حنين وقد ارتسمت علامات أكثر من الدهشة في عيونها.. صبية؟.. أمورة؟... (شو عم يصير مع بابا؟؟)

_ أهلين عمو.. انا منيحة الحمدلله..

_ له له.. شو هي عمو ما عمو؟... انا اسمي خالد..

_ طيب اهلين عمو خالد.. اهلا وسهلا..

هنا تسحبها أمها من يدها إلى الغرفة الثانية.. وهي تحاول اسكاتها..

_ لك كيف بتقليلو عمو شو مجنونة انتي..

_ ماما واحد قد جدي شو بدي قلو يعني؟

_ لك يا هبلة الاستاذ خالد اجا لعنا من طرف عمك سليم اللي بالخليج..

_ اي شو اعملو يعني انا؟

_ جاي عم يدور على عروس..

_ اي منيح الله ييسرلو لكن بشو بقدر فيدو انا

_ لك بنتي ركزي معي.. عمك دلو عليكي ونحنا وافقنا..

_ ماما.. شو يعني دلو عليي؟.. وشو يعني وافقتو؟... انتو موافقين تزوجوني لواحد اكبر من بابا؟

_ لك يا روحي كلو فرق كم سنة بينك وبينو.. واحد بيشتغل بشركة نفط بالخليج.. عندو فلل ومصاري وعقارات ما بتاكلها النيران.. متزوج وعندو ولاد بس مارح يعرفو شي عنك.. يعني انتي رح تكوني الصغيرة المدللة ورح يعبيكي هدايا ومصاري.. ومنو لك بنتي حالتنا بتتحسن شوي.. والله العظيم ابوكي رح يجنني شوفة عينك.. يوم بيشتغل عشرة بيقعد بوشي.. ومصروفنا كل مالو عم يزيد.. هي فرصة لك بنتي.. وانتي الوحيدة اللي قادرة تساعدينا كلنا وتساعدي اخواتك هالمساكين يعيشو يومين متل الخلق والعالم..

_ لك ماما انتي اكيد عم تمزحي.. لك بيني وبين هالرجال مو اقل من 30 سنة.. ماما انا اصغر من ولادو.. انتي عرفانة شو معنى هالحكي..

_ بكل الاحوال انا عم خبرك هلأ.. نحنا اتفقنا على كل شي.. ابوكي وخالد قرو الفاتحة.. رح نضبطلك جواز سفرك بهالفترة ونكتب الكتاب وتطلعي معو عالخليج..

_ ماما يعني انتي هلأ جاية تخبري بنتك اللي عمرا 12 سنة.. انك بدك تزوجيها من رجال عمرو فوق 40 سنة.. كرمال تعيشو انتو بالجنة.. طيب وانا؟.. حدا فكر فيني انا شو رح يصير فيني؟...

_ انتي كمان رح تعيشي بالجنة.. رح يكون عندك مصاري ما بتاكلها النيران.. هو دفعلك متقدم مليونين.. ابوكي قال رح يفتح فيهم مشروع صغير بالحارة.. وسجلنا كمان متأخر شي محرز بيعجبك.. وطبعا انشالله ما منوصل للمتأخر.. والله يا بنتي انا طاير عقلي.. حاسة طاقة الفرج انفتحتلنا اخيرا.. بكرا لك بنتي بتصيري تنزلي لعنا كل صيفية.. معك هدايا وتياب واخر جخ واخر لبس.. والله لنعيش فوق الريح وخلي هالعزال يطقو من القهر..

_ ماما ومدرستي طيب..

_مدرسة شو لك مجنونة.. بكرا بمصاري خالد بتشتري كل شهادات البلد.. قال مدرسة قال!!

تنظر حنين إلى والدتها بعيون تملؤها الدموع... فهذا آخر ما كانت تتوقعه من والديها.. أن يعتبراها سلعة تُشترى وتُباع لتنتعش العائلة وتقضي حياتها بين المطاعم الفخمة ومحلات الماركات الراقية.. تركض إلى الغرفة الصغيرة التي تعودت البقاء فيها مع إخوتها الصغار.. تجدهم جالسين على الأرض وينظرون لها بعين طفولية.. ماذا ستقول لهم؟.. (أهلكن باعوني؟)...

يمنعها أهلها من الذهاب إلى المدرسة.. وخلال أيام كانت حنين جاهزة للسفر مع خالد إلى بلده.. عقدوا القران.. ورفضت أمها أن تزوجها دون حفل زفاف أسطوري.. كل من في الحفل كان في أشد حالات الصدمة والدهشة وهو يرى تلك الطفلة البريئة تدخل إلى الصالة يمسك بيدها رجل بعمر والدها.. معظم المدعوين كانوا يبكون وهم يرون تلك الزهرة بين يدي رجل مكتمل النضوج.. وكلما سألوا والدتها تقول لهم.. (نصيبها شو بدنا نساوي..)... وأي نصيب هذا الذي يدفع أهل للمتاجرة بفلذة أكبادهم..

ستة شهور فقط.. ستة شهور عادت بعدها حنين.. مُطلّقة.. وحامل أيضاً.. بين صدمة الأهل.. وذهول حنين.. اتصل بهم خالد ليخبرهم بأن ابنتهم ستعود غداً إلى سوريا.. ظنوا أنها قادمة في زيارة.. لكنه أخبرهم أنه طلّقها.. والسبب ببساطة أن حنين لم تكن قادرة على تأدية واجباتها الزوجية تجاهه!!.. ففي الوقت الذي كان يحتاج فيه إلى زوجة ناضجة تعرف واجباتها الزوجية كاملة.. كانت حنين طفلة تحتاج كثيراً من الوقت لتعرف ما هو الزواج.. وكيف تجب معاملة الزوج... ضاق ذرعاً بها.. وملّ من جهلها بتلك الأمور.. فبدأ بتعذيبها وضربها ليجبرها على التنازل عن كل حقوقها لكي يقبل التوقيع على ورقة الطلاق.. وعادت حنين ونظراتها كلها حزن مما رأت.. الذل الذي عاشته في كنف رجل لم يرحمها قط.... عادت حنين وفي اللحظة التي دخلت فيها المنزل سألت عن شقيقتها نور التي تصغرها بسنة واحدة.. فقالت لها الأم والحزن يملأ عينيها بأنهم زوجوا نور من مستثمر خليجي يكبرها بثلاثين سنة أيضاً!!.. فوق كل ذلك.. عادت حنين وهي تحمل في أحشائها طفلاً.. في عمر الثالثة عشر.. كانت حنين مُطلّقة وأماً... أمٌّ لا تعرف حتى كيف تحمل طفلها الرضيع.. أمٌّ تنظر إلى الطفل باستغراب... وتتساءل.. ماذا سيحل بي في المستقبل؟... أمٌّ تعاني من أمراض نفسية جسدية وصحية.. ويعاني طفلها من أمراض صحية كثيرة.. وهي في غمرة أحزانها.. تخرج حنين من غرفتها لتخبر أهلها بأنها قررت العودة إلى المدرسة.. فما حصل معها... زادها إصراراً على إتمام تعليمها.. لكنها حلمها تغير.. لم تعد بحاجة لدراسة الطب مستقبلاً... فقد قررت أن تدرس المحاماة بعد أصبح لديها مهمة جديدة الآن.. حماية الفتيات من آبائهن والوقوف في وجه كل من يُشجع زواج القاصرات..

كثيرات من هم مثل حنين.. سابقاً وحتى في الوقت الحالي.. فقد زادت نسبة زواج القاصرات ككل المشكلات الاجتماعية التي كان يعاني منها بلدنا.. جميعها أصبحت نسبتها أضعاف مضاعفة في ضل أزمة يعاني منها البلد منذ أكثر من سنتين.. هروب من أبٍ قاسي.. بيع الطفلة كالسلعة.. فقر.. جهل.. تخلّف.. كلها أسباب أدت وتؤدي إلى تغيير حياة الفتيات.. فتيات ذنبهن الوحيد أنهن يعشن في مجتمع لم توضع به القوانين التي تمنع زواج القاصرات.. فالقانون السوري يسمح بزواج الفتاة تحت سن الثامنة عشر في حال كان ولي أمرها موجوداً.. كما حدد قانون الأحوال الشخصية سن الخامسة عشر للشاب والثالثة عشر للفتاة كحد أدنى للزواج، مع تحقيق شرط البلوغ.. وكأن الفتى في الخامسة عشر من عمره سيكون قادراً على إعالة أسرة بكاملها وتأمين متطلبات المنزل.. أو أن طفلة في الثالثة عشر من عمرها ستتمكن من تحمّل مسؤوليات وأعباء تعجز عن حملها من تجاوزت العشرين من العمر.. ورغم ذلك نجد آباء قاموا بتزويج بناتهم وهم في عمر الحادية عشر والثانية عشر.. وحتى قبل أن يبلغن سن الرشد... وكأن من وضع القانون لا يعي نسبة التخلّف الموجودة لدى عدد كبير من الآباء في مجتمعنا.. هؤلاء الآباء الذين لا يملون من ترديد عبارات توضح كم هو هم كبير في قلوبهم أن الله بعث لهم بنات لا أولاد.. فالبنت مسؤولية لا يستطيعون تحملها.. لذا يرمون بها إلى أول طارق باب.. بينما الولد هو نعمة من الله... وهنا نسأل.. ما الفرق بين هؤلاء الآباء ومن كان يقوم بوأد البنات في العصور الجاهلية؟... بكل بساطة.. لا فرق.. ففي الحالتين وأد للفتاة وقتل لطفولتها البريئة... وربما الوأد أرحم بمرّات من تزويج طفلة قاصر.. فالوأد هو موت مرة واحدة.. بينما زواجها هو أشغال شاقة مدى الحياة..

بعض الحالات نصادفها وتذهلنا بكلامها... من الفتيات من تزوجت وهي لم تصل لسن البلوغ بعد... منهن من تزوجها لشهر ثم اختفى ولم تعد تعرف عنه شيئاً فعادت إلى منزل أهلها.. ظاهرة تستشري كالسم في جسد المجتمع السوري.. والريف خاصة أكثر من المدينة.. وسببها طرفين.. زوج يريد فتاة لم تخرج بعد من منزل أهلها.. صغيرة لا تعرف شيئاً بأمور الحياة فتكون عجينة بين يديه يُشكلّها مثلما شاء.. وأبٌ جاهل فقير متخلّف يرى أن طفلته هي هم في قلبه يريد التخلّص منه بأية طريقة.. ويعد زواجها وقبض هذا المبلغ الكبير هو صفقة رابحة تغنيه مدى العمر.. وما من أحد يُفكّر بالطرف الثالث.. الفتاة.. الفتاة التي يقضون على طفولتها وبراءتها وأجمل مراحل حياتها.. عدا عن المشكلات الصحية والنفسية والجسدية الكثيرة التي يُسبّبها الزواج والطلاق في سن صغيرة للفتاة.. وإذا نظرنا إلى المجتمع نجد أغلب تلك الفتيات أصبحت لديهن عقدة من الزواج.. ينظرن إلى الموضوع بكثير من الخوف والقلق والرعب الحقيقي.. فلم يعدن يفكرن به مرة أخرى.. هن يعتبرن زواجهن باطل.. بل وأكثر من ذلك.. ورقة يوقّع عليها الأب.. تُحلّل جريمة اغتصاب بحق طفلته.. والمجتمع يقف ساكتاً أمام كثير من جرائم الاغتصاب.. بحجة أن القانون أحلّ له ذلك.. القانون الذي قال بأن الفتاة تحت سن الثمانية عشر هي طفلة وقاصر ولم تبلغ سن الرشد بعد.. فكيف للقانون نفسه أن يسمح للأب بتزويج طفلة من رجل مكتمل النضوج؟..

مهما قال الأهل وحاولوا تبرير فعلتهم تلك.. ومهما وضع الرجل من حجج ليتزوج بفتاة قاصر... لا يمكن تسمية ذاك الزواج غير أنه جريمة بحق الطفولة.. وحرم الفتاة من أبسط حقوقها.. وهو الزواج بعد أن تنضج عقلياً وجسدياً وفكرياً.. لتكون قوية بما فيه الكفاية وتستطيع تحمّل مسؤوليات وأعباء منوطة بها.. ورغم مطالبات ومناداة لكثير من الحقوقيين السوريين بوضع الحد الأدنى لسن الزواج الثامنة عشر.. إلا أنه ما من مجيب.. ومازالت الأرياف ومن بعدها المدن بنسب متفاوتة تقوم ببيع بناتها كالسلع وإرسالها إلى المجهول.. في النهاية الزواج ما هو إلا عقد ورباط مقدس بين رجل وامرأة.. أي أن ما يطلب شرعاً من الرجل بأن يكون مؤهلاً وقادراً على تحمل المسؤوليات.. هو مطلوب أيضاً من المرأة.. والمرأة هي طرف بالعقد ولست موضوع العقد.. هي طرف له حقوق وعليه واجبات كما الرجل تماماً.. فكيف يمكن إيصال تلك الحقوق وتعليم الواجبات لطفلة لم تكمل الثانية عشر من عمرها؟... تتساءل مواطنة....


  • 8

   نشر في 07 نونبر 2019  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات

§§§§ منذ 4 سنة
موضوع من الواقع المرير في البلدان العربية.
تحياتي لك
1
Sara Farhan
شكرا لمرورك الراقي صديقي تحياتي لك

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا