قراءة في كتاب د. وفاء سلطان "نبيك هو أنت"
نشر في 29 أبريل 2017 وآخر تعديل بتاريخ 09 نونبر 2022 .
لا أومن بالقراءة إلا إذا كانت تستفز ثوابث إيمان القارئ الثقافية و العلمية و الدينية ، لا قيمة لكتاب إذا لم يغدو قارئه مختلف كليا بعد قرائته ، لذلك اخترت عرض بعض أفكار كتاب "" نبيك هو أنت , لا تعش داخل جبته"" للأستاذة وفاء سلطان ، إذ "كما هو مَعلُوم عند من يَعلَم" أن الإنسان يعاني من قلق وجودي مستمر منذ الأزل ، لعل من أبرز وجوهه أسئلة الماقبل -الحياة- و المابعد أو الأخرويات ( Eschatologie ) ، أين كنا ؟ و ماذا نفعل هنا ؟ و إلى أين سنذهب ؟ ، لو قرأنا تاريخ البشرية بهذه الأسئلة سنجد أن مختلف جماعات و شعوب العالم قد قدمت أجوبة عديدة حول هذه الأسئلة المقلقة ، و المثير أن هذه الأجوبة اتخدت طابعا مقدسا أي تمت قولبتها في قوالب نظرية على شكل أديان . ذلك و كما قسم الفيلسوف الفرنسي "أوجيست كونت" أنماط هذه الأجوبة إلى 3 أنواع مرحلية ، حيث بدأ الإنسان تفسير الطبيعة و الكون بالأسطورة ، ثم انتقل بعدها إلى الإعتماد على الميتافيزيقا عله يهتدي إلى مصدر قلقه ، وصل بعدها إلى المنطق الوضعي positivisme من خلال التجريد الذهني و استعارة العلم من أجل فهم العالم و الوجود ، إذ أن هذه المرحلة هي ما تعيشها الشعوب المتعلمة الراقية حاليا ، غير أن معظم باقي الشعوب لا تزال تنعم في الجهالة حيث تفسر الواقع و الوجود بما هو أسطوري و ميتافيزيقي ، متجسدا في الأديان و متحكما في العقول و مترسخا في الثقافات .
تحاول د.وفاء سلطان في هذا الكتاب الماتع (101 صفحة فقط) أن تعيد التفكير بشكل عقلاني عبر طرح علامات استفهام كبرى حول "فكرة الدين" ، ذلك حيث تعتبر أن الدين = برمجة للاوعي الإنساني ، يجعل معتنقيه يؤمنون بعقائده على شكل قناعات/مسلمات محصنة بهالة المقدس دون تدليل منطقي ، تجعل المعتقدين به لا يقبلون الخوض في تجربة مختلفة قد تؤدي بهم إلى تبني قناعات جديدة تناقض البرمجة الأولى = الدين الذي يؤمنون به ، إذ تعتبر أن الأديان من منطلقات علمية و فلسفية صناعة بشرية و تسترشد بقولة جون دريدون John Dryden " نحن من نصنع عاداتنا و مع مرور الوقت تقوم تلك العادت بصناعتنا " و تنسج على منوالها قائلة أن " نحن من نصنع أدياننا و مع مرور الوقت تقوم تلك الأديان بصناعتنا " . بحيث ذاك من جهة أجرى ما يذكي ظاهرة الأصولية الدينية Intégrisme religieux ، التي تعني الإعتقاد بشكل متحجر في دين واحد فقط و تكفير و تبديع باقي الأديان ، هذا ما أدى إلى استشراء الحروب في التاريخ بين أتباع الديانات المختلفة ، حيث يمكن القول " أن تاريخ الأديان ليس سوى تاريخ الحروب بين البشر " .
إن عملية البرمجة الدينية للاوعي تتم في "مرحلة الطفولة" ، حيث لا يكون للطفل لياقة نقدية و عقلانية لمراجعة الأفكار الدينية بواسطة ميزان "العقل و المنطق" ، و في غياب ذلك لا يكون أمامه سوى تقبل خلاصات الآخرين و قناعاتهم ، خصوصا في المجتمعات ذات الثقافة الدوغمائية و التربية الجبرية و التدين التكفيري ، المشكل لا يقف هنا بل يجسد في سلوك و ذهنية هذا الطفل إلى نوع من السذاجة و التكلخ في تفسير الوجود و الحياة بطريقة مثالية مغرقة في الأسطرة و ليس بطريقة علمية واقعية ، هذا فضلا عن التطرف في سلوكه نتيجة تقسيم العالم إلى مؤمنين و كفرة فيعقبه حب المؤمنين و نبذ و كره الكفرة ، و بذلك تُأسس الأديان العلاقة مع الآخر المختلف على أساس الكراهية و العنف ، و ليس على أساس الحب و الأخوة . بهذه الطريقة تصبح حياة الإنسان متشرنقة بين الإيمان بدين لا نختاره بل نكتسبه أولا ، ثم نقضي حياتنا في الدفاع و المنافحة عنه ثانيا إلى حد تعنيف و إرهاب من لا يؤمن به .
المفارقة من جانب آخر , يمكن اعتبار أن الألغاز تمنح الحياة رونقها ، البحث عن الحقيقة باستمرار و بشكل علمي أرقى ما يمارسه الإنسان ، لكن العجيب أن الأديان تدعي امتلاك الحقيقة كاملة كما تمتلك كل الأجوبة و لا تعطيك الحق في طرح الأسئلة ، بل تسوق لمن يؤمن بها أن التسائل و الشك من علامات ضعف الإيمان و مراودة الشيطان , في محالة لبكح التساؤل و التفكير النقدي ذلك ما يوضح غباء بعض المؤمنين ، هذا يجسده رجل الدين حيث يصدح بادعاءات تقول هناك و هناك و هناك ، و عندما تسأله البرهان و الحجة ، يقول لك عندنا هذا مقرر في كتاب مقدس و هو أجل حجة فوق الأرض , و إذا لم تؤمن به فأنت كافر و سترمى في النار ، هذا ما يكرس الإيمان بالخرافة دون منطق و لا حجج دامغة و للأسف تحت التخويف و التهديد بالعذيب ، بخلاف العلم الذي يدعي وجود كذا و كذا ، عندها تطلب الحجة على إدعاءاته ، يقدم حجج منطقية و دلائل ملموسة ممكن أن تأمن بصحتها أو العكس فضلا عن ذلك بدون تهديد و لا توعد بالجحيم و النار ، من هنا كان الإيمان بالغيبيات إيمان زائف وقع تحت التهديد لا وفق إرادة حرة ، كما يستحيل أن يكون قرار الإنسان حكيما و عقلانيا اتجاه أي معتقد و هو خائف ، من هنا أيضا كانت الغيبيات جزء أساسي فى الأديان و منبع كل أسطورة ، و بذلك "ارتبط الدين بالخرافة و الإكراه , و ليس بالمنطق و الحرية" .
تشير الأستاذة وفاء من جانب آخر ، على وجه الخصوص إلى أن الأمة الإسلامية "قابلة للإنقراض" ، حيث تعتبر أن الإسلام برمج أتباعه بطريقة قتلت فيهم الإنسانية و الإبداع و الإبتكار و هما أساس الأزدهار و الحضارة ، لأنه دين -كباقي الأديان- احتكر الحقيقة كليا ، ما حدى بأكبر نسبة من التابعين له غير مبدعين بل مقلدين ، كما تلاحظ أن أكبر المبدعين و المفكرين و الفلاسفة في التاريخ لم يبدعوا إلا في سياق البحث عن الحقيقة ، خصوصا بعد تجردهم من أديانهم التي تصورها جاهزة ، أكثر من ذلك فإن الإسلام حارب من يفكر و يطرح السؤال و يتفلسف بدءا بتكفير الشعراء ثم المعتزلة وصولا إلى كبار الفلاسفة ، حيث لم يترك المسلمين مفكرا و لا فيلسوفا إلا و كفروه و دعوا إلى قتله في الماضي و الحاضر ، هنا تقول ذ.وفاء " عندما يولد أي إنسان تولد معه مسحة من عضمة الخالق المفكر ، فكيف نقزم الله إلى الحد الذي يأمرنا بقتل إنسان آخر ما دام فيه جزء من الله و هو التفكير و التفلسف " .
تتسائل كذلك " كيف للإسلام أن يأمر أتباعه بقتل الناس ، و الكثير منهم جسد بإداعه و فكره عظمة الخالق ، بينما عجز المسلمون عن تحقيق ذلك " ، تضيف متعجبة " لماذا المسلم يحتكر سر الله ، و هو أعجز من أن يجسده بإبداعه و تفكيره السليم " ، لماذا يصور الإسلام أن التقرب إلى الله يحصل عن طريق العبادات ، و لا يتحقق عن طريق الشك بواسطة العقل في عقلانية هذه العبادات و التشريعات ، هل الله ينتظر منك الصلاة حتى يفرح ، هل ينتظر منك الصوم حتى يرتاح ، هل يخلق جماعة و يحرضها على قتل جماعة أخرى مع العلم أن كليهما خلقهما نفس الإله ؟ أين الحكمة ؟ إذا كان الله يعلم أن اليهود و النصارى و البوذيين و غيرهم كفار ، و هو يعلم أنهم لن يؤمنوا بالإسلام و سيدخلون النار ، طيب لماذا يخلقهم ؟ هل حياتهم فقط عبثية و مصائرهم مختارة قبلا ؟ هل يخلقهم الله فقط في إطار التضخم الديموغرافي لكوكب الأرض و لجهنم بعد الموت ؟
فضلا عن ذلك ، يُلاحظ إن جميع الديانات التوحيدية مثلا نزلت في الجزيرة العربية ، فالهند والصين واليابان وجنوب شرق آسيا، مثل كوريا وفيتنام مجتمعة تمثل اليوم أكثر من نصف سكان العالم، أي حوالي اثنين مليار ونصف المليار شخص ، كل هؤلاء الناس يدينون بالديانات البوذية أو "الهندوس" وهي ديانات وضعية غير منزلة ، و سكان الجزيرة العربية مجتمعة، لا يتعدون المائة مليون شخص ، فلو رجعنا بتعداد سكان العالم إلى الوراء بطريقة عكسية "Regression" نستطيع أن نقول قبل حوالي 4000 سنة، لو كان سكان الجزيرة العربية مليون شخص -افتراضاً- فإن سكان الهند والصين واليابان مجتمعه، يكون تعدادهم ما يقارب *250 مليون شخص*. والسؤال الذي يطرح نفسه هو : لماذا أرسل الله كل هؤلاء الرسل إلى مليون شخص في منطقة فلسطين والجزيرة العربية وتجاهل المائتين وخمسين مليون الآخرين ؟ أين الحكمة في ذلك ؟ لماذا لم يرسل الله و لا نبي واحد لإفريقيا لماذا لم يرسل الله نبي إلى الهنود الحمر ؟ لماذا لم ينزل ولا رسول واحد بلغة الصين أو الهند أو اليابان ، فقط هناك لغات الجزيرة و ما جاورها ، و كأن في هذه المنطقة الفلاسفة الوجودية الذي وجب إرسال الأنبياء إليهم ، و في إقتناعهم اقتناع كل الناس ، أي منطق احتكاري غير عادل مثل هذا ؟
من جانب آخر تتبع د.وفاء تاريخ الإسلام الفقهي و السياسي و الفكري و تعتبره باذخ بما هو سلبي بل و كارثي ، إذ لم يتحقق بين ضهرانيه تحرر العقل لكي تنطلق الحضارة ، إذ أن أوضاع المسلمين كانت و لازالت ما دون الكرامة ، هنا تقول " التاريخ هو المختبر الوحيد الذي يتبث نتيجة الفكرة ، أليست 1400 سنة كافية لإتباث نتائج الفكر الإسلامي ، أليست أوضاع المسلمين هي النتيجة الحتمية لهذا الفكر ؟ " ، على جبهة قصف أخرى في هذا الكتاب تشير المؤلفة إلى أن الإسلام حتى وقت قريب استطاع أن يحمي نفسه بالسيف و قتل من يرتد عنه أو ينتقده ، سجن أتباعه بين دفتي القرآن و كتب الحديث و الفقه ، إذ أن حسب إحصائيات الأمم المتحدة لا يزيد عدد الكتب التي طُبعت في العالم العربي خلال التاريخ الإسلامي كله عن عدد الكتب التي تم طبعها فقط في اسبانيا ، كأفقر دولة أوربية في عام واحد ، على هذه الأرقام نتبين مدى جهالة و تخلف المسلمين في ما هو فكري ، أما لو ذهبنا إلى ما هوعلمي و تيكنلوجي و صناعي فالدهشة تزداد و تتضخم أكثر ، و الأنكى من ذلك أن الثقافة الإسلامية دائما ما تواكب هذا التخلف ، إذ نسمع هنا و هناك أن تأخر المسلمين و تقدم غيرهم مُكتاب من عند الله و وراءه حكمة !! تقول لبعض المسلمين الغرب قوي ثم يرد الله أقوى منهم !! تقول لهم إسرائيل قوة عسكرية في المنطقة ثم تجد من يقول أنه حسب تقديرات الإعجاز العلمي في القرآن فإن إسرائيل ستزول و تنذثر مطلع سنة 2030 !! .. ما يشير إلى أن المسلمين ليسوا إلا حفريات حية ، و أموات هاربة من قبورها ، أي أن الأمة الإسلامية مثيرة للشفقة لا تُعد سوى تمثال متحجر و ظاهرة صوتية كما وصفها القصيمي قبل سنوات ، و بالتالي قابلة للإنقراض !
أخيرا الكتاب أكبر من أن ألخصه في مقال صغير ، فهو لا زال غني بأفكاره المستفزة و الموقضة من سباة الجهل و الخرافة .
أتمنى أن لا يُساء فهمي ، فهذه مجرد أفكار من ذات مفكرة كالدكتورة وفاء سلطان رضي الله عنها و أرضاها ، كما أتمنى أن نعيد التفكير فيما تخشب في عقولنا من معتقدات و أساطير مقدسة ، و تمريرها على ميزان العقل و المنطق ، فإذا كانت الأديان حقيقة فإن الحقيقة لا تخاف النقاش .