قراءة في أسباب تدني المستوى التعليمي للطالب الجامعي بالجزائر - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

قراءة في أسباب تدني المستوى التعليمي للطالب الجامعي بالجزائر

أسباب ضعف المستوى التعليمي الجامعي

  نشر في 25 يوليوز 2015 .

ملخص:

أتناول من خلال هذا البحث المختصر، قراءة سريعة في بعض الأسباب التي أراها قد أسهمت بشكل أو بآخر في تدني المستوى التعليمي لطالب الجامعة في الجزائر.

وهذه الأسباب في حقيقتها ترجع أساسا إلى ثلاثة أسباب رئيسية تتضح بالاستقراء والتتبع:

1- ضعف البرامج التعليمية النوعية.

2- ضعف المستوى التكويني للأستاذ المؤطر.

3- قلة اهتمام الطالب الجامعي ووهن عزيمته في طلب العلم.

تواجه اليوم الجامعة الجزائرية تحديّات كبيرة في ظلّ ما تتخبّط فيه من مشاكل تستوجب حلولا استعجالية قبل الدخول الجامعي المقبل إيجاد الحلول المناسبة لها على المدى القريب، حتى لا تتكرّر المشاهد غير الحضارية التي تشهدها كل سنة دراسية، لا سيما ما تعلق منها بإشكالية غياب الجامعات الجزائرية عن تصنيف أحسن الجامعات العربية فضلا عن الجامعات الإفريقية والعالمية منها. هي إشكالية تعكس تدني المستوى التعليمي للطالب الجامعي وتكشف عن ضعف التأطير الجامعي، وتراجع الجامعة الجزائرية عن دورها الأكاديمي في تشجيع حركية البحث العلمي الذي أُفرغ من مضامينه الميدانية فأصبح تنظيرا من غير طائل أو فائدة عملية.

هذه إحدى إشكاليات التعليم الجامعي التي لا زالت تُثير اهتمام الباحثين في هذا المجال والمهتمين به. وتأتي هذه الورقة لإعطاء قراءة شخصية موجزة لأسباب ضعف مستوى الطالب الجامعي، ومحاولة وضع اليد على الداء، ما يُساعد على إيجاد الحلول المناسبة.

أعتقد أن أسباب تدني المستوى التعليمي للطالب الجامعي يرجع في الأساس إلى الأسباب التالية:

1- ضعف البرامج التعليمية:

حيث تفتقر إلى النوعية، وإلى سياسة بيداغوجية إستراتيجية ورشيدة وواضحة، تُوازن بين عاملي الكم والزمن؛ فبرامج التعليم الجامعي في بعض التخصصات تتسم بالحشو المعرفي، الذي لا يراعى فيه عامل الزمن الكافي، وأهميته في استيعاب تدريس كل وحدات المقاييس المقرّرة.

2- ضعف التأطير:

وهذا سبب آخر يظهر من خلال ضعف الأداء العلمي والأكاديمي للأستاذ أثناء مباشرته لوظيفة التعليم في المواقف التعليمية الجامعية؛ ويُمكن تعليل هذا الضعف بسبب عدم إلمام بعض الأساتذة بمهارات التدريس، وقلّة باعهم وبضاعتهم، وافتقارهم للوسائل التعليمية والإيضاحية الضرورية في عملية التدريس.

3- عدم استقرار الجامعة:

كثيرا ما تتعرّض الجامعة الجزائرية لبعض الاهتزازات التي تذهب باستقرارها، وتُكَدِّرُ صفوها، وَتـُخِلُّ بسير عملها، لاسيما الإضرابات التي يـُحْجِمُ فيها الطّلاب عن دخول قاعات الدراسة، والغريب في الأمر أنه ما من عام دراسي تفتح فيه الجامعات أبوابها إيذانا ببدء موسم دراسي جديد، إلا وتُفتعل هذه الإضرابات تحت مطالب مختلفة، على نحوٍ جعل منها عرفا سائدا يُعرقل سير الدروس، ويُعيق إتمامها في زمنها المحدّد.

هذا بالطبع لا يُلغي وجود مطالب وانشغالات مشروعة سواء من جهة الطلبة أو من جهة الأساتذة، حريُّ بالدوائر والمصالح المعنية أن تنظر في أمرها، وتسعى لتحقيقها قدر الإمكان.

4- نقص ثقافة التعلم عند الطالب:

وأعني بثقافة التعلم: آداب الطلب والتحصيل إنْ من جهة الطالب أو من جهة الأستاذ؛ أما بالنسبة للأستاذ فهو قبل كل شيء مربي، والواجب عليه أن يكون قدوة لطلابه؛ بأن يكون متحليا بأخلاق العالِم المربي، يحفظ عدالته من القوادح، ويكلأُ مروءته من الخوارم، فلا يرونه حيث ينهاهم، ولا يفتقدونه حيث يأمرهم، فإذا نهى عن شيء تركه أصلا، وإذا أمر بشيء كان شديد الأخذ به.

وترك الأستاذ لأخلاقيات وظيفة التعليم سبب مؤثر في زهد الطلبة في طلب العلم، وتبرّمهم في السعي لتحصيله، كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "إنما زهد الناس في طلب العلم، لما يرون من قلة انتفاع من علم بما عمل" ( ).

والطالب النبيل يلحظ حال شيخه وأستاذه من آداب العالم، وما يفعل بعلمه في خاصة نفسه وعلاقاته مع غيره من طلاب وغيرهم، ومعلوم أن الأخلاق تُوَرَّث كما يُورّث العلم والمال؛ فالعالم المتواضع المتأدّب الخلوق، يُورّث دلّه وشمائله ودماثة أخلاقه لطلابه، أما العالم المعلّم غير المتأدب بعلمه، فسيُورّث سوء خلقه لطلابه، وهنا ما على الطالب الذكي إلا أن يصبر على سوء خلق أستاذه ويشحذ همته على التحصيل ويثبت حتى يُكتب له التوفيق.

للأسف ما ذكرته يُصدّقه واقع بعض جامعاتنا اليوم ويُؤكده حال بعض الأساتذة، ومن ثم فإنه لا حرج من ذكر هذا الأمر بالذات، من باب البحث عن العلة وإظهارها؛ ليُصيب منها البلسمُ مَهْلَكًا، فَتَبْرَأ جامعاتنا منها بإذن الله تعالى.

من جانب آخر، إن الطالب أيضا مطالب بالتحلّي بآداب طلب العلم؛ لأن النبتة الضعيفة لا يُرجى نموها إذا لم تُنكث التربة من حولها، وتسقى بماء رَويّ يشدّ ساقها، ويُقوّي عروقها.

وقد اهتم سلف هذه الأمة بآداب العلم؛ فكانوا في مرحلة الطلب مثالا حيّا للطالب المتأدِّب الـمتخلِّق الذي عرف للعلم قيمته وللعالم منزلته؛ فكان الواحد منهم لا يأنف من الجلوس إلى شيخه حاني الظهر وطاوي الركبتين، تأدّبا مع أستاذه، وهي قعدة المتعلمين التي ذكرها أهل العلم ولازمها الطلاب.

أيضا كان الواحد منهم شديد الحرص على هيئة العلم والتزيّي بهندام الطلب والتحصيل العلمي الذي درج عليه الطلاب والتلامذة، وتحصيل آلة العلم من دواة ومحبرة وكراسات؛ فكان موضع القلم من أذن الواحد منهم كموضع عود الأراك من فمه، لا يَفْتَرُ ولا يملُّ من استعماله، في إشارة إلى اهتمامهم بجمع العلم وفهمه، وحفظه والعمل به، ثُمّ نشره وتبليغه.

كانوا كذلك شديدي الحرص على أخذ الأدب غضا طريّا مشاهدا من أهله مباشرة، كما قال بعضهم: "كنا نأخذ من العلماء أدبهم قبل علمهم؛ وعن موسى بن نصير قال: سمعت عيسى بن حماد يقول: كثيرا ما كنت أسمع الليث بن سعد يقول لأصحاب الحديث: تعلموا الحلم قبل العلم"( )، وكان ابن وهب يقول:" ما تعلمت من أدب مالك أفضل من علمه"( )، ولقد أحسن عبد الله بن المبارك حيث يقول: "أيها الطالب علمـا إئت حماد بن زيد

فاقتبس علما وحلما ثم قيده بقيـــد"( ).

"وذكر محمد بن الحسن الشيباني عن أبي حنيفة قال:" الحكايات عن العلماء ومحاسنهم أحب إلي من كثير من الفقه؛ لأنها آداب القوم وأخلاقهم"( )، وقال محمد:" ومثل ذلك ماروي عن إبراهيم قال:كنا نأتي مسروقا فنتعلم من هديه ودلّه"( ).

كذلك روي عن مالك قوله:" وكانت- أي أمي- تقول: اذهب إلى ربيعة فتعلم من أدبه قبل علمه"( ).

وإنما كان الاهتمام بالأدب عند الطلب؛ لأنه لم يُر للأدب مثيلا في انتفاع طالب العلم بعلمه؛ حتى قال الشافعي:"... ومن لم يصن نفسه، لم ينفعه علمه"( ).

5- التعلّق بالدنيا وضعف الهمة في الطلب:

هو سبب آخر يُضاف إلى أسباب تدني مستوى التحصيل العلمي للطالب الجامعي، فنَهِمَةُ الطالب اليوم في طلب ملاذ الدنيا ومُشتهياتها، وانصرافه عن طلب العلم. يغفل الطالب عن حقيقة أن الدنيا لا تُنال إلا بالعلم، وصدق الشافعي حين قال: "من أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم"( ).

6- اكتفاء الطالب الجامعي بما يقدمه له الأستاذ من محاضرات ودروس:

حتى أن بعض الطلاب زهدوا في المكتبة واتخذوا الكتب ظهريا، ومعلوم أن الطالب لا يستغني بالكتاب عن الأستاذ؛ ولذلك قيل: من كان أستاذه كتابه غلب خطؤه صوابه، وكثر منه التحريف والتصحيف، وكما قال الشافعي: "من تعلم من الكتب ضيع الأحكام"، وأيضا لا يُستغنى بالأستاذ عن الكتاب؛ ولذلك قال بعضهم: "من لم ينظر في الكتب لن يصل"، ولأنه ليس أنفع لطالب العلم في الحفظ من إنعام النظر في الكتب والمداومة عليها، قال البخاري عندما سئل: هل من دواء للحفظ :" لا أعلم شيئا أنفع من نَهِمَةِ الرجل ومداومة النظر"( )، وفي لفظ قال:"إدمان النظر في الكتب"( )، وعليه فالمطلوب من الطلبة أن لا يهجروا المكتبات، ويزهدوا في الانتفاع بما تزخر به من مصادر ومراجع توّسع معارفهم، وتفتح لهم آفاقا معرفية، وأن يضعوا في أذهانهم أن الأستاذ يعطي الطلاب مفاتيح العلم، ولا يعطي كل العلم....فليتنبهوا.

7- عدم إلمام الطلبة بطرائق الحفظ والمراجعة الصحيحة:

من ذلك: العجلة في الحفظ، والسرعة في المراجعة، دون أن يواطئ الحفظ الفهم، ولا شك أن هذا سبب مؤثر في التحصيل العلمي للطالب.

ويحضرني هنا قول بعضهم: "الطالب النبيل هو من يكتب أحسن ما يسمع، ويحفظ أحسن ما يكتب، ويعمل بأحسن ما حفظ". والشاهد هنا: أن الطالب الذكي يحرص كل الحرص على استجماع مسائل العلم عن ظهر قلب واسترجاعها واستظهارها عند الحاجة بيُسر وسلاسة واسترسال.

ويبقى في الأخير أن نعلم أن الذهن كالجسد يحتاج دوما إلى مران ورياضة؛ حتى لا يُبتلى بالخمول والبلادة، ويعتلّ بالعجز عن أداء أيّة عملية ذهنية وإن كانت بسيطة. وليس يُعلم للذهن رياضة أفضل من المذاكرة، ومداومة النظر والمطالعة على حدّ قول البخاري الذي سبق ذكره.

وقال ابن القيم: "... وأيّ عضو كثرت عليه رياضته قوي، وخصوصا على تلك الرياضة، بل كل قوة فهذا شأنها، فإن من استكثر من الحفظ قويت حافظته، ومن استكثر من الفكر قويت قوته المفكرة، ولكل عضو رياضة تخصه"( ).

8- مراجعة نظام ليسانس ماستر دكتوراه:

أعتقد جازما أن هذا النظام المستورد من بعض الدول الأوروبية لم يُحقق نتائج باهرة كما كان يأمل أصحاب القرار السياسي؛ بل أجده فشل فشلا كان متوقعا لعدّة أسباب أهمها غياب التأطير المناسب، وعدم تهيئة الأرضية التشريعية الملائمة التي تحتضن هذا النظام، وتُنظم سير تطبيقه بأريحية مُسترسلة، مع غياب التكفل المناسب بالطلبة المتخرجين الراغبين في إتمام دراستهم أو الراغبين في دخول مجال التوظيف وسوق العمل..ويكفينا إقرار وزير التعليم العالي والبحث العلمي الحالي الطاهر حجار بعدم نجاح هذا النظام ودعوته إلى إعادة النظر فيه بالتعديل وليس بالإلغاء لأنه صار واقعا يتعيّن لزاما التعايش معه.

آخره أن الحمد لله رب العالمين

د/ عبد المنعم نعيمي

جامعة الجزائر 1

ليلة الأحد 17 ربيع الأول 1430 هـ

15 مارس 2009م.

تمت مراجعته ليلة الأربعاء 6 شوال 1436 هـ

22 جويلية 2015 م.


  • 3

  • عبد المنعم نعيمي
    وما من كاتبٍ إلا سيفنى *** ويُبقي الدَّهرَ ما كتبت يداهُ *** فلا تكتب بخطك غير شيءٍ *** يَسُرّك في القيامة أن تراهُ
   نشر في 25 يوليوز 2015 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا