هذيان
هل يعرف الغريق أنه قد غرق؟
نشر في 30 يناير 2023 وآخر تعديل بتاريخ 12 فبراير 2023 .
إنه فصل الشتاء، ولا شيء يتساقط غيرَك مرارًا وتكرارًا، ويتعثر في الشوارع باحثا عن جُحر يتكور فيه كجنينٍ مجهضٍ مبتور الأعضاء...
السماء فوقكَ، عاريةٌ تمامًا، كاشفةً ظهرَ الفضاءِ، وأنت ثانٍ رقبتَك للخلفِ لهدير الكون، تسمعه بعينيك، وتراه بأذنيك...
تحاول أن تصرخَ وتناديَ أيَّ نجمٍ من النجوم، لكنك لا تصدر إلا خُوارًا يضيع وسط الجموع التي تقذف بجثتك نحو أبواقِ السياراتِ المستعجلة ..
شيء ما في منتصف الليل، يتغذى على روحك من طرفك المكشوف للظلامِ وللمخالب البارزة من أسفل سريرك، وأنت تمثل دور الوليمة ببراعة، فاغرًا فاك وعينيك للسقف، تأكلُ الدهشةُ وجهكَ المملوءَ بالزغبِ وبقايا التبغ الرخيص..
أين وجدوا هذا الطبقَ الذي اتسع لحمل كل خيباتك وكدماتك البنفسجية ؟!
تأكلُ الحطبَ لتروضَ النار الماكثة في بطنك، وتقمع جوعَها، وهي تتمردُ أدخنةً تتصاعدُ من مدخنتك التي برزت في سقف رأسك ..
لعلك بيت بعُلِيّةٍ مملوءة بالخردوات والفوضى، بيتٌ مهجورٌ تحدث فيه الجرائم في الطابق الأرضي غالبا، أو يسكنه كائن خرافيٌّ شرير، يتغذى على الأرواح والأطفال ..
لعلك ساحة خفية في غابة عميقة؛ تقطن فيها الساحرات و يتراقصن كل سبت حول نار يؤججنها برؤوس الرهبان لاستدعاء الشيطان ...
لعلك مزهرية مهشمةٌ رابضةٌ فوق المنضدة، يأكلها الغبار والملل؛ دون أن يكون لها امتياز وجود شيء في جوفها، أو أن تقف فيها زهرة تطل من فَوَهتها إلى أن تذبل ..
ما الذي يجعلك خائفا من المساء وموعد النوم ؟ ومن الصباح وموعد الاستيقاظ ؟ ومن الحياة ويوم الأجل ؟ ومن الموت و يوم المولد ؟ ما الذي يجعلك تقف في المنتصف بين الشطون والدنو وبين الأضداد و الكلمات المدببة؟ لماذا تقف كأن ما من مفصل في ساقك؟ وكأن الجلوس خرافة الإنسان الاول؟
تأكل قيئك على الرابعة صباحا، تبحث عن أقرب قطعة خبز لتمسح بقاياه، ثم تستعد للخروج بعد وجبة الصباح؛ للحشود التي تنتظرك بفارغ الصبر لتركلك حتى المساء، فتحمل كدماتك وعينَكَ المفقوعة وتعود لاهثًا لغرفتك لتستعد لليوم الموالي ..
هته المهنة شريفة صح؟ وأنت تحب مهنتك حد الاستقالة، حد قتل مديرِ عملك، حد تفجير مقر عملك .. حد استفراغ معدتك لفطور الصباح مرة أخرى.
الخوف ؛ يجعل منا هته الهياكل البدينة حد الهزل، فارغة إلا من عنكبوت تَحِيك بيتها في أحد الفقرات، وغراب يبني عشه بين الاضلاع،
إنه الخوف والارتياب ما يجعلنا لا ندري أين نضع أقدامنا، فنبقى معلقِين في الهواء، نركض في مخيلتنا هربا منا، ونلتفت دومًا لنرى كم ابتعدنا عن خط البداية .. كل ما في الامر أننا خرجنا من مضمار السباق.
التعليقات
كان الله بعون من يمر بمثل تلك الحالات
ويبقى الأمل موجوداً بأن ينجو الغريق يوما ما