التجريد بين السرعة الاحساسية و السرعة الفهمية
نقد اسلوبي في الشعر التجريدي
نشر في 08 يناير 2018 .
ان للفهم سرعة ملحوظة و رغم ان العقل سريع جدا في فهم الكلام و باقل من اجزاء الثانية الا ان ادراك احتياجه الى زمن ليفهم الكلام ملحوظ و واضح. و بجانب الفهم للنص هناك الاحساس المصاحب له، فبقدر ما يدرك العقل المعانى و يفهمها فانه يدرك الاحساس بالمعاني و يشعر بها و لادراك العقل بالاحساس سرعة، وهي متفاوتة من نص الى اخر، كما ان ادراك العقل بالاحساس له شكلين الاول يصدر من معاني النص نفسها اي من كلماته و الثاني انه يصدر من التحليل العقلي للنص بعد الفهم، اي ان الادراك الاحساسي يمكن ان يكون قبل استقرار الفهم و تحليل النص و يمكن ان يكون بعده، و المحدد لذلك هو سرعة الاحساس، و لحقيقة ان سرعة العقل في فهم النصوص التوصيلية متقاربة و انما التعقيد يكون للرمزي و المنغلق ، فان التفاوت المهم هو في سرعة الادراك الاحساسي. فان النصوص تختلف في سرع احاسيسها، فكلما كان الادراك الاحساسي اسرع كان الفهم اقل اهمية في تحقيق الاثارة الجمالية و يتحقق التجريد. و العامل المهم في تحقيق احساسية اكبر في النص هو ان تحمّل الكلمات بزخم شعوري كبير، اي ان يتطرف الشاعر في وصف المشهد و يستعمل اقصى درجات المعبرات عن الشعور، فتنفجر الاحاسيس في الكتابة بقوة و بعنف.
طبعا الكلام في التجريد كله يقع في خانة البعد الجمالي للكلام و الا فالتجريد مناقض لغاية الفهم، بل هو يريد ان يحقق الاثارة الجمالية مستقلة عن الفهم. و حينما يكون الاحساس اسرع من الفهم يتحقق التجريد. في قصيدة قصيرة للشاعرة ( نعيمة عبد الحميد) فانا نجد الاحساس اسرع من الفهم في مقاطعها كما ان تلك السرعة تتفاوت الا انها اسرع من الفهم غالبا. تقول الشاعرة
((" المطر "
بين عنف المطر و أخاديد الوطن أغرق، يخترقني بضراوة بلا واقٍ ! يزيد من عبء عيوني . يهتك ستار شجون نثرت مجردة من الكلم . ((
لدينا هنا ثلاثة عبارات اسنادية مهمة تحقق سرعة احساسية اكبر من سرعة الفهم :
" عنف المطر"
" يخترقني بضراوة"
"يهتك ستار شجون"
في العبارة الاولى " عنف المطر" نلاحظ زخم شعوري يسرّع الاحساس مع مجاز و رمزية تأخر الفهم قليلا. فكانت العبارة تجريدية سريعة الاحساس بسبب عاملين هو الزخم الشعوري العالي و الرمزية.
في العبارة الثانية " يخترقني بضراوة" نلاحظ زخم شعور و انفجار احساسي لكن النص تعبيري قريب، فتحقق التجريد و السرعة الاحساسية بفعل الزخم الشعوري. وهو اقل سرعة من الاول الا انه اكثر الفة و قريبا للنفس.
في العبارة الثالثة "يهتك ستار شجون" نلاحظ زخم شعوري قوي مع فهم قوي الا ان التعبير الشعوري كان قويا و واضحا فحقق سرعة احساسية مناسبة للتجريد و ان كانت اقل من سابقتيها.
هنا بينا ثلاث درجات للسرعة الاحساسية مع تفاوت بالسرع و العناصر الكتابية و النصية الفهمية و الاحساسية المسؤولة عن تحقيق تلك الانظمة.
فالكاتب التجريدي عليه ان يشعر بقوة كلماته و بعنفها و انفجارها و زخمها الاحساسي قبل فهم غاياتها و تشخصاتها الفكرية.
.
اللوحة ؛ مطر ؛ للدكتور انور غني 2018