(إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا يُنزع من شيء إلا شانه). رواه مسلم.
عرف الحافظ ابن حجر في الفتح الرفق بقوله: ( لين الجانب بالقول والفعل، والأخذُ بالأسهل، وهو ضِدُّ العنف)
وعرفه الزمخشري في أساس البلاغة بقوله: ( لِين الجانب، ولَطافة الفعل )
الرفق من الأخلاق التي تجعل المرء محبوبا بين الناس و قريبا إلى قلوبهم وأما الشدة والفظاظة فتجعل المرء مكروها من الناس ، وقد أشار القرآن إلى هذا المعنى بوضوح (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) ، كما بين النبي صلى الله عليه وسلم أنّ الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على الشدة:
(إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه). رواه مسلم.
جُبل الناس على حُب من يرفق بهم ويلين لهم القول ويتجاوز عن مخطئهم ويسامح مذنبهم وييسر على معسرهم ويعين غارمهم.
وما أجمل قول النابغة :
الرفق يُمن و الأناةُ سعادةٌ *** فتأنَّ في أمرٍ تُلاقِ نجاحا
وقال آخر:
ولم أر مثل الرفق في يُمنه … يستخرج العذراء من خِدرها
من يستعنْ بالرفق في أمره … يستخرج الحيَّة من جُحرها
والمرء منا يحتاج إلى الرفق واللين في كل أحواله ، مهما تنوعت مهامه واختلفت مسؤولياته وواجباته، فعلى المستوى الشخصي نحن نحتاج إلى الرفق بزوجاتنا وأولادنا لنحظى بحبهم ، ونحتاج إلى الرفق واللين مع أقاربنا لنحافظ على أرحامنا ، ونحتاج إلى الرفق واللين مع جيراننا وأصدقاءنا وزملاءنا لنحيا حياة هادئة يشيع فيها الحب والود ويسودها الاحترام والتقدير.
وعلى المستوى العام نحن نحتاج إلى الرفق ليسود الحب والألفة بين الناس على اختلاف مواقعهم ومنازلهم في الحياة.
إن صاحب العمل الذي يرفق بمن تحت يديه من الموظفين والعمال يحظى بالمحبة والاحترام والتقدير ممن يعملون معه. وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم بالرحمة لأصحاب الولايات الرحماء الرفقاء و دعا على الأفظاظ منهم بالمشقة فقال : ((اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فشقّ عليهم فاشقُق عليه، ومن وليَّ من أمر أمتي شيئًا فرفَق بهم فارفُق به)) رواه مسلم.
والداعية الهين اللين الذي يرفق بالناس يتربع في قلوب الناس ويكون مؤثرا فيهم وإن كانت بضاعته من العلم قليلة، فإن دعوة الناس إلى الله والأخذ بأيديهم نحو الصلاح تحتاج إلى الأخلاق أكثر منها إلى العلم ، فكم من عالم لديه من العلم الكثير ويحفظ من المتون الكثير ولكن حيل بينه وبين قلوب الناس لخشونته وفظاظته .
وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في الرفق بالناس والصبر عليهم وعلى جهلهم:
عن أبى هريرة ـ رضي الله عنه ـ: ( أن أعرابيا دخل المسجد ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – جالس فصلى ركعتين ، ثم قال : اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: لقد تحجَّرت (ضيقت) واسعا، ثم لم يلبث أن بال في ناحية المسجد، فأسرع الناس إليه، فنهاهم النبي – صلى الله عليه وسلم ـ وقال: إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين، صبوا عليه سَجْلا من ماء ) رواه أبو داود .
لقد رفق النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الأعرابي الجاهل رغم شناعة فعلته ، وأمر أصحابه بالكف عنه لما أرادوا أن يبطشوا به ، ونبههم إلى التيسير والرفق واللين مع الناس ، والصبر على جهلهم ، ولو أنه تركهم وما أرادوا لامتلاء قلب هذا الأعرابي حقدا وكراهية لهم وربما قاده ذلك إلى الكفر والارتداد عن الإسلام.
اللهم ارحمنا وارفق بنا واجعلنا من الرحماء الرفقاء
-
جهلان إسماعيلأبحث عن الحقيقة وأنشد الصواب في عالم اختلطت فيه أفكار البشر بهدايات السماء وظلمات الباطل بنور الحق.