في بلدان تسودها العتمة، ظروف متغيرة بشكل غير متوقع، سياسة يحكمها القمع وتعليم لا يحصل من الميزانيات سوى على الفتات، مشاكل اجتماعية لا تجد من يدرسها أو من يضع لها حلولاً..شباب يبحثون عن سبيل ما للفعل.
عندما تستقبل سنوات شبابك الأولى في مجتمعات كهذه يسيطر عليك رفض الواقع ربما تتملكك الثورة، تبحث عن طريق للتغير. لكن بعد أن تستنفد وسائلك وتعييك المحاولات تركن أخيرًا إلى اليأس، الإحباط. مشاعر كهذه تسيطر على ملايين الشباب الذين يتحصلون على حقوق طبيعية كالتعليم والعمل والزواج بصعوبة بالغة.
أمور مثل المشاركة السياسية أو المعارضة أو إنشاء مشاريع ثقافية، صارت من الرفاهيات المستحيلة. إذا تحدثت عن فوائد السفر والسياحة مثلاً ستجد نفسك تخاطب نفوسًا متحسرة: ضيق ذات اليد، والكفاح المستمر لتحصيل لقمة العيش عائقًا. جيل من الشباب مقتول الآمال يتحرك على أراض محروقة، مستقبل مجهول أمامهم.
وما الذي يخيف شابًا أكثر من ضبابية المستقبل، وما الذي يكسر نفسًا شابة أكثر من العجز. مشاعر الخوف والعجز صارت هي القائدة لجموع الشباب الحائر.
كانت سنتي الأولى في الجامعة محاولة للاستكشاف. كبقية أبناء جيلي، كانت لدي روحًا آملة، سعيت إلى فهم الاتجاهات السياسية والبحث عن انتماء ثقافي ما، لكني دخلت الجامعة في الوقت غير المناسب، ربما كان علي الاستئذان أولاً. فوجئت بعربات مصفحة وعمليات اعتقال وطلاب يُفصلون وآخرون يتعرضون للضرب والإهانة، نشاط طلابي محظور، ونشاط ثقافي يكاد يكون ميتًا، حالة من الذعر تنتاب الطلاب مع الصوت الصاخب لمدرعات "فض الشغب"..أجواء غير آمنة دفعت بي إلى الحيرة، محصورًا بين ظلم بين وعجز بين لا يمكنك فتح عينيك والنظر إلى أي منهما.
كانت العزلة هي الخيار الوحيد، لكن حتى هذه العزلة لم تكن متوفرة دائمًا، عندما يقتحم العجز بيتك، عندما يحطم القمع بابك، عندما يُنتزَع الأمن، تجد نفسك بين الحين والآخر في بؤرة أحداث ما مجبرًا على الفعل، بينما تدرك أن هذا الفعل عديم الجدوى، مجبرًا على الأمل، بينما تدرك أن هذا الأمل منزوع الأسباب.
كلما حاولت الاقتناع بأن لا أمل، تطفئ ثورتك وتنام، تجد روحك الشابة متعذبة، لا تستطيع الاستغراق في نوم، ولا يهنأ لها بال.
أمل ما يؤرقك، روح ما تحثك على التعلم، عقل ما لا يهدأ عن التفكير، أتعتقد أن فرصةً ما قد تحين ليتغير هذا الجحيم، فرصةً ما تهديك بعض التأثير في واقعك وتمحو عنك إحساس العجز؟
خلف أسوار السجون وفي أقفاص المحاكم، في أقبية التعذيب وحتى في أسواق المواد الغذائية، هامات تنحني اعترافًا بالعجز، وأرواح لا تكف عن الأمل.
أن تكون شابًا في مجتمعات كهذه يعني أن تنتهج اليأس والأمل ضدان متعاركان في ساحة روحك. ترى لمن تكون الغلبة؟
-
مريم ناصفألاحق تناقضات النفس الإنسانية