من تداعيات الثورات العربية
طرف من آثار الحراك الشعبي العربي الثائر
نشر في 13 يوليوز 2015 .
إن التطورات التي شهدتها كرونولوجيا أحداث الثورات العربية سجلت عددا من التداعيات أسجل هنا طرفا منها وألخصه في النقاط التالية:
أولا: التداعيات السياسية:
وتتمثل خاصة في إزالة أنظمة سياسية كانت سببا ظاهرا في إشعال فتيل الثورات؛ لأن هذه الأنظمة طالما وُصفت بأنها أنظمة شمولية ودكتاتورية وبوليسية وقمعية لا تُؤمن بحرية الرأي ولا تتقبّل الانتقاد بل ولا تتحمّل حتى وجود الرأي الآخر، ومن ثمّ فإنها تستحق أن تتنحى أو تُنحى لأنها فقدت شرعيتها وتخلّت عنها قاعدتها الشعبية.
واستدعى غياب السلطة السياسية تشكيل قيادة سياسية جديدة عن طريق الاقتراع العام السّرّي ترعى مصالح الثوار وطموحاتهم كما رأينا في التجربة التونسية مثلا التي صنعت القاعدة في الثورات العربية وأسّست مجلسها الوطني ووضعت دستورها وانتخبت مؤسساتها ورئيسها، وإن قيل في غيرها الكثير خاصة الثورة المصرية التي صنعت الاستثناء بالانقلاب بطريقة غير شرعية على الشرعية الدستورية، وليس ببعيد عنها الثورة اليمنية التي استولى فيها الحوثيون على مكاسب ثورة اليمنيين.
بالنسبة إلى ليبيا مثلا انتقلت القيادة السياسية إلى المعارضة الثائرة في صورة مجلس وطني إنتقالي مؤقت تأسّس يوم الأحد 27 فبراير عام 2011؛ أي بعد فترة وجيزة من الثورة الليبية على العقيد معمر القذافي التي اندلعت في 11 من الشهر نفسه.
ثم خلف هذا المجلس المؤتمر الوطني العام؛ ويُمثل السلطة التشريعية الذي انتخب في 7 يوليو 2012، وتسلم المؤتمر السلطة في 8 أغسطس 2012 من المجلس الوطني الانتقالي، وانتهت مهامه في 7 فبراير 2014.
أما سوريا فلا يزال النظام صامدا ومُتمسّكا بوجوده، مُعتمدا على تحالفاته السياسية رغم الضربات الموجعة التي يتلقاها من المعارضة الثائرة، ورغم أن الوضع فيها يختلف تماما عن الوضع في غيرها من دول الثورات؛ حيث أصبحت ساحة مفتوحة لاقتتال عدد من الفصائل والجماعات وتفريخ معتقداتها التكفيرية والتطرفية.
وعموما قد تغيّر المشهد السياسي تماما في الدول العربية التي شهدت ثورات وحراكا خاصة على مستوى القيادة السياسة ونظام الحكم؛ حيث تخلّت الدول العربية نسبيا عن خيار الديكتاتوية وحكم العسكر والقوة، واستعاضت عنه بخيار الديموقراطية الحقيقية، هذا كله مع الإقرار بأشكال التجاوزات والاختراقات والمصادرة التي تعرّضت لها مكاسب أكثر الثورات، دائما إذا ما استثنياتونس من هذه القاعدة.
ثانيا: التداعيات الأمنية:
خلّفت الثورات العربية وضعا أمنيا غاية في التأزم؛ بدليل ما تشهده دول المنطقة من انزلاقات تتهدّد حياة المواطن وأمن مؤسساته الدستورية، حتى تونس التي اعتقدنا أنها نجحت نسبيا في استرجاع استقرارها وأمنها؛ إلا أن تفجيرات سوسة الأخيرة وما سبقها من عمليات تخريبية وإرهابية يُعيد طرح الملف الأمني المتردّي كملف استراتيجي لا يستقيم حال تونس إلا بمعالجته وحلّه نهائيا.
ثالثا: التداعيات التشريعية:
وأظهرها: التعديل الدستوري والدساتير الجديدة التي لجأت إليها بعض الدول كسوريا؛ وهو خامس دستور دائم للبلاد، صودق عليه باستفتاء 26 فبراير 2012 وصدر في 27 من الشهر نفسه، أيضا تونس التي صدر دستورها في عام 2014 بعد مصادقة المجلس الوطني التأسيسي التونسي في 26 يناير 2014.
هذا كله فضلا عن النصوص والقوانين التنظيمية التي تطلّبها الوضع الأمني المتأزم الذي أعقب الثورات.
رابعا: التداعيات الإقتصادية:
لم تمرّ ثورات شعوب العرب بسلام على اقتصادياتها؛ حيث تأثّرت وفقدت نسبيا قدرتها على تلبية احتياجات مواطنيها ومسايرة متطلباتهم الراهنة والمستقبلية، ما تطلب وضع حلول استعجالية مرحلية بحسب متطلبات الأوضاع.
خامسا: التداعيات الاجتماعية:
ونلمسها في صور الأوضاع الإجتماعية والإنسانية القاهرة التي نجمت عن التردّي في المؤشّر الإقتصادي لدول الثورات والذي تسبّب في تدني الخدمات الإجتماعية وانخفاض مستوى القدرة الشرائية للمواطن.
سادسا: التداعيات الإعلامية:
ويطبعها إعلام الثورة الذي يُمجد الثورات كخيار للتغيير، والذي ارتسم في التعددية الإعلامية التي شهدها قطاع السمعي البصري، وفرّخت عددا مُثيرا من القنوات الفضائية التي لم يسبق لها مثيل في العمل الإعلامي فيما أعلم.
د/ عبد المنعم نعيمي
كلية الحقوق- جامعة الجزائر 1
-
عبد المنعم نعيميوما من كاتبٍ إلا سيفنى *** ويُبقي الدَّهرَ ما كتبت يداهُ *** فلا تكتب بخطك غير شيءٍ *** يَسُرّك في القيامة أن تراهُ