من المؤكد أن أول رد فعل لك حينما رأيت ذلك العنوان القاسي كثيرًا، التقزز من ذلك البشري -أنا- الذي يصف الله بالموظف الحكومي، كيف يجرؤ أحد ما على فعل ذلك دون الخوف من عقوبة القادر على كل شئ، وبالطبع عقوبتنا نحن أولًا.

لكي تعي بالضبط من يصف الخالق بتلك الصفة ويصبغه بالصبغة البشرية الخالصة لننظر إلى الخالق من وجهة النظر الدينية -أي دين- نبدأ بالأسماء فيجب أن يكون له إسم بالطبع لنستطيع مناداته ما بين 'الله' في الإسلام والمسيحية و'إيل أو يهوه' في اليهودية و'اهورامزدا' في الهندوسية وهكذا، حسنًا والآن أين يوجد؟ في مكان ما فوق السموات غالبًا، 

ثم ماذا بعد.. نعم كيف نتحدث إليه؟ تلك نقطة هامة قد تمثل الفارق الأكبر بين كل ديانة وأخرى أحيانًا فالركوع والسجود والإنحناء وسكب اللبن والتبرك بقطعة من الخشب أو نار ودعنا لا ننسى الذهاب إلى أحد فروع مكتب الخالق في الأرض بين 'حائط المبكى' و'الكعبة' وحج 'كومبه ميلا' وعشرات 'الكنائس' طواف وبكاء ونذور، انتهينا من الإسم والمكان والفروع وطريقة التواصل ماذا عن صيغة رسمية للحديث ففي النهاية الخالق قد يجد في الحديث البسيط إستهزاء به، سنكتب دعاء للإستيقاظ وآخر للنوم ومثله للخروج والعودة وأدعية السفر والإمتحانات ما قبل وما بعد ولن ننسى بالطبع دعاء منتصف لجنة الإمتحان ودعاء الإستسقاء أو لنجعلها صلاة وإستشارة تسمى إستخارة والآن اللمسة الاخيرة لنصنع منك هيئة يرضاها الخالق، فهو أحيانا يغضب بشدة اذا ما قمت بحلق لحيتك وأحيانا أخرى سيرفض طلبك لأنك قمت بتربيتها، الثياب كذلك يقول البعض أنه اذا ارتديت ما يخفي كعبي رجليك فلن تحصل على ختم العبور إلى الجنة إطلاقا فالخالق يكره الثياب الطويلة، وما أخفيته بثيابك سوف تلتهمه النار عاجلا أو آجلا مهما بالغت في إخفاؤه بجلباب أو بنطال.

ألا تشعر أن الأمر مثيرًا للريبة والسخرية كثيرًا عندما تعتقد بأن الخالق ينتظر أن تقدم إليه دعوة بصيغة معينة وبطقوس خاصة في مكان مميز حتى يستطيع النظر إلى طلبك؟

الخالق الذي تقول عنه أنه يعلم كل شئ ما ظهر وما بطن، هل سيغير الأقدار لأنك قمت بالدعاء له في ليلة واحدة حددها لك يجيب فيها عن الطلبات المعروضة أمامه؟ - إذا كان الأمر كذلك فكيف يستجيب لدعوة تمنحك هدية جديدة في رأس السنة ولا يستجيب لطفل لا يجد ما يأكله يجلس باكيًا خلف الباب المقابل لك؟ بالتأكيد لم يقم بالطقوس بالطريقة المثلى مثلما قمت أنت بها.

 العجيب في الأمر أنك لم تقف عند ذلك الحد بل أحيانًا تبحث عن 'الواسطة' بينك وبينه كحال أي مواطن عربي يسعى لإنجاز إحدى أوراقه داخل مجمع حكومي، قد تكون الواسطة شفاعة من نبي أو قراءة من رجل دين أو طلاسم أو كما سيقولون لك أصحاب العمامات مهما كانت ديانتك وستفعل ولو ولدت على غير ذلك الدين أو ذاك كنت ستجد رجل دين آخر سيقول لك ماذا تفعل وبالطبع.. ستفعل.

اذا كنت بالفعل تبحث عن نصرة الخالق فلتخرجه من ذلك المبنى الحكومي المتهالك، الملئ بالروتين، الذي يجعل العديد من البشر يذهبون في طريق إنكار وجود خالق من الأساس، نعم أنت بنفسك من جعلت من خالقنا موظف حكومي ينتظر صيغة على هيئة ما لفعل شئ ما، وإما يفعله فيحمد عليه أو لا يفعل فتذهب الظنون أن درج المكتب القابع خلفه الخالق خاصتكم -وليس الخالق الحقيقي- ملئ بالفعل ولا يسمح للمزيد من الأظرف التي تحمل دعوة أو صلاة.