(كلابٌ حظّها حصّة الأسد)
قبل يومين دخلتُ ضيْفاً على أحد المواقع هرباً و لو قليلاً من قساوة بعض الأخبار و قتامة بعض الأنباء
المصحوبة مع الأسف الشديد بهدير الرصاص و دويّ القنابل و المدرّجة بدماء الأشلاء .. و فجأةً استوقفني
خبرٌ صحيح المصدر إذا قرأتَه بإمعان فأكيد أنّ أول انطباع سيخالجك هو الغرابة بل و العجب العجاب
مِن كون أنّ هناك شريحة من البشر ليس لهم من الإنتساب إلى كوكب الأرض -سبحان الله- إلا الإسم
و مفادُ هذا الخبر أو النّازلة أنّ مواطناً ثريّا من (الدانمارك) التي تُوّجتْ في سنة 2014 كأسعد بلد في العالم
تركَ بعد وفاته وصيّة عن طريق الموثّق يوصي من خلالها بإعطاء نصف تركته إلى كلبه المحبوب طبعاً و المحظوظ
جدّاً .. هذا الكلب و إسمه (برووك) سيرث ما مقداره 475 ألف (أورو) في شخص جمعيّة مهتمّة بتربية الكلاب حيث
قام الموصي سلفاً بتحديد إسمها و مقرّها الإجتماعي و من التوجيهات التي ألحّ عليها في الوصيّة هي :
_ المأكل .. توفير وجبات شهيّة ل (برووك) و خصوصاً عند المساء يجب تقديم الحساء المطبوخ و المفروم بأصابع
أرجل البطّ تارةً و أرجل الدجاج تارةً أخرى .
_ البيطرة .. توفير الحقن و كلّ أنواع المراهم الخاصّة بتدليك الكلاب و ذلك للحفاظ على رشاقة و لياقة السيد
(برووك) .. هذا دون نسيان مواد النظافة العالية الجودة .
_ الرفاهية .. السيد (برووك) يحبّ كثيراً التنزه في الحدائق ذات الرطوبة المنخفضة .. كما يعشق كثيرا تواجده بين
إناث من بنات جلدته .
_ الخصوصيّة .. يكره السيد (برووك) ركوب القطار .. كما يكره كرهاً شديداً الموسيقى الصاخبة .
نعم كان هذا مآل نصف التركة المالية التي كانت من نصيب السيد (برووك) بينما النصف الآخر فقد توزّع
كقسمةٍ ضيزى بين أربعة آدميّين بينهم إحدى عشيقات الموصي .
أمام هذا الخبر .. و لأول مرّة في حياتي أستوعب أن الفائض الاقتصادي قد يحدّده الفائض الوجداني
و لستُ أدري لماذا خالجني هذا السؤال ؟ .. هؤلاء القوم لماذا يوصون للكلب و لا يوصون مثلاً للحمار ؟ ربّما
من أدبيات الكلب أنه الحيوان الوحيد الذي يعترف بالمِلْكية فتراه يدافع غريزيّا عن مِلكيّة صاحبه بصورة مستميتة
مستعملاً النباح و الأنياب بينما الحمار ههههه قدْ يتواطأ مع اللّص في الربع الأخير من الليل و يحمل أغراض
صاحبه على ظهره و يذهب مع اللّص بدون رجعة .
و بدون أن أشعر وجدتُ نفسي أوجّه اللوم إلى (كارل ماركس) : كيف تسنّى لك أن لا تنتبه إلى هذه المسألة ؟ السيد
(برووك) يعترف بالملكيّة فيفوز بنصيب الأسد من المال .. بينما أنت تنكرها و لم تظفرْ إلا ب (رأس المال) ؟
خرجتُ من الموقع مسرعاً و أطفأتُ الحاسوب و أنا أهمس بالعاميّة المغربيّة : ( افْهمْ تْسطا) .
بقلم : تاج نور الدين .
-
تاج .. نورالدين .محام سابق- دراسات في الفلسفة والأدب - متفرغ الآن في التأليف والكتابة .- محنك في التحليل النفسي- متمرس في التحليل السياسي- عصامي حتى النخاع- من مؤلفاته :( ترى من هذا الحكيم ؟ )- ( من وحي القوافي ) في ستة أبواب وهو تحت الطبع .- ( علم ...