تـــُهمتي... مغربي - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

تـــُهمتي... مغربي

خاطرة أدبية

  نشر في 18 مارس 2015 .

 تـُهـْمتي... مغربي

كل صباح أخرج نحو شارع الفارغ إلا من شجيرات نخيل سامقات، أمشي وأنا أنظر إلى الأرض، صامتا جامعا تفكيري وتأملاتي في التراب والرياح المثخنة بخوائها...

صمتا كان باردا في البداية... زادت العطالة وكثرة الأمل، بعض الأعواد في الكانون ذي المناصب الحجرية المنسية كاملة للقـَدر... صمتا كان مشعبا إلى حدود قصوى وقاسية، ببكاء داخلي مع صراع الأنا الغارقة في روت الرماد. الحطب المشتعل أمامي كان جزءا بسيطا مما اشتعل بداخلي...

عانقت سـُمرتي بياض جسدها البض. بدئنا حديثنا كمتحضرين، رجل وامرأة في حانة أمام البحر، شربنا دون أن نسرف في الثمالة، على حساب مؤجل الدفع. أسئلتها لم تكن أسئلة، وأجوبتها كانت شبه أجوبة. مجرد نبض، أو تحصين للذات المتصدعة...

بكت لأنها لم تكن تملك سلاحا آخر. أما أنا أضحك من حنان الأنثى الماكر، من قسوتها حين تلين ومن حنانها حين تبطش، أضحك من بساطته الظاهرة ومن تعقيدها المتوهم. أتأمل مغامراتي المحدودة مع الأنثى الراعية في فجاج ظلمات ذاكرتي... ألم يقولوا: امرأة كالوطن... أو... وطن كالمرأة ؟...

لكن أردافها البارعتان تدوخاني بانسجامهما، هاته. تفو... اخرس... لا تبح بهذا... لن أسكت بعد الآن... ولتكن بعدها القيامة!...

كان الصيف على مرمى الأبواب. قميصها الأبيض المنقط بلون غشاء بكارتها...عجزت على وصفه، سأقول بالوردي كأحلامها. ينفتح عن فاكهتين كتفاحتين منحوتتين بجلال. دامغة الخدين. أنف يتوسط القرص. شعر فاحم كمصيري. غادة تنخسف لبهائها الأقمار في غياب شمس لمستقبل قريب، لم يعد موجودا إلا في كراريس الأحزاب. كل شيء فيها يجسد الحقيقة الغاوية، لا شيء في قسماتها، كلامها، حركتها الأنيقة، يشي بغياب الرسوخ...

للحقيقة عنوان... كل النساء يلبسن ثوب البهتان تبعا للحكمة المأثورة: "كل امرأة تبكي، فهي كاذبة حتى يتأكد العكس...".

ارتحت إلى البنت وجسدها، خلال فترة تهرأت فيها مجاديفي... كانت وطنا ثانيا... حين تعود إلى وجومها وأراها أكبر من سنها وأحلامها...

اندحر الحب من شموخه ليسقط في أتون الجسد... لا عيب فيه... انفجرت، من دواخلها وآثار الوشل بأهدابها عالقة ما تزال... شع من عينها وميض فاتن. جعلني أصرخ: إنها فتاة من ماضي كتبي المدرسية، تلاحقني، تجلدني، تكويني بمساميرها النارية.

المساء فصيح، تعب الطريق، نظام العطالة، أو البحث عن العمل، جعل الدموع في عيني متأهبة للتعبير عوض الكلام. لكني حبستها، تولى صوتي المجفف المهمة... دندنت في نفسي، وارتميت إلى قاعه المقعر... تحسرت على بحر يبتلع مساحة وطن. هـُِربت أمواله وتبعها أبنائه. كانوا لقمة سائغة لجوعى ذالك القعر المظلم... أرفض الهجرة... أنتظر حبيبتي الموعودة...

ذات زمان... جلسنا على حافة الفراش القصير الذي تهرب منه ساقانا، حين نبالغ في الحركة لم أقاوم شفتيها المفترستين. كانت تقضم شفتي بنهم أنثى مغناج... بعد سفر قصير بين الجسدين وغرق في مرق حليبي، عدّلت شعرها، كما تفعل عادة... خلـّـلـتـه بيدها متينا، ثم عقفته إلى الوراء والمشط في أسنانها، صنعت ذيل فرس. نظرت إلي، بمقلتين يتطاير الشرر منهما، وجه شاحب من حب جارف... أخبرتني بقرارها دون وجبة مقدمات... كانت قد أعدّت دفاعها جيدا... اتهمتني قبل أن أقول أي كلام... بأنني رجل يريد كل شيء دون مقابل، وأنني افتراضي كبير، ثم عالجتني بتهمة المغربي الذي يختبئ وراء الشعارات. كنت صامتا طوال الوقت، وأنا أسمع هجومها. عرفت أنها قررت، لذالك تركتها تسافر وترحل، لتربح حياتها...

بقيت في البياض قليلا لأخـَمـِّر حياتي في طبق الوعود المبتذلة... أتوجس شقوق الحذر، مستنكرا هروب الوطن، شامخا على تلال الكبرياء... وسياط جوع عملٍ، لن أجده في جحود وطن... انتسبتُ له قسرا...

سعيد تيركيت

الخميسات 18 / 03 / 2015


  • 1

   نشر في 18 مارس 2015 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا