في الفترات الماضية من حياتي و حتى وقت قريب كنت اعتقد أنه يجب علي أن أملك حافز قوي في حياتي للتقدم أو إحداث تغيير.. و لكني اكتشفت مؤخرا أن هذا المعتقد ما هو إلا معتقد تدميري و خطير..في السابق كنت اعتقد أن كل شيء يجب أن يكون مثالي و كامل و أن أملك دافع كبير حتى ابدأ بالخطوة الاولى نحو أي شيء.. و لكن الانتظار كان يمتد لأيام و أسابيع و أشهر و لا شيء يتغير و لا محفز يأتي.
إن الحياة بالمجمل عبارة عن محطات للانتظار.. بعض الأشخاص يبقى في محطة الانتظار لأيام و لا يطيق البقاء و البعض الآخر قد تذهب و تعود و تجده واقفا في نفس محطة الانتظار التي تركته فيها منذ سنوات..و بإمكانك أن تتخيل عزيزي القارئ العديد من الأمثلة على ذلك.
أن تنتظر الوقت المناسب لبدء عمل ما أو أن تكون لطيفا أو أن تحادث شخصا ما لم تحادثه منذ وقت طويل ، أو أن تقوي نفسك بمهارة معينة أو أن تنتظر أن يتغير أسلوب شخص ما معك و غيرها من الامور الاخرى صغيرة كانت أم كبيرة وتعتقد أنها تبدأ مع ظهور الوقت المناسب أو الدافع. في الحقيقة ماهي إلا إنذارات وهمية تساعدك على الهروب لتجنب الألم فقط لفترة وجيزة
فلو كنت متحمسا و لديك دافع اليوم للقيام بأي شيء ما.. ماذا ستفعل عندما لا يكون لديك أي دافع في وقت آخر؟؟
ستجد أنك ضيعت أياما و أسابيع و حتى أشهر سداً دون أي تغيير و الأمور ستزداد صعوبة لأخذ الخطوة الاولى فيها. غالبا لأنك تنتظر أشياء خارجة عن إرادتك، أشياء تتعلق بحياة أشخاص آخرين و بظروف لن تأتي على مقاس رغباتك.
عقولنا مصممة بشكل غريب و معقد، فهي مصممة على أن تحمينا من الأشياء المؤلمة و الصعبة و الغير مريحة والمرعبة و هذا كله هو أساس "التغيير" ، و لهذا السبب أيضا لا يظهر لدينا أي محفز للقيام بأي شيء.
إن انتظار الدافع و المحفز قتل العديد من الناس.. قتل المدمنين و المكتئبين و دمر العديد من العلاقات الانسانية و الزيجات، إنه اعتقاد مزيف، إنه عذر آخر للهروب من تحمل مسؤولية ما.
للاسف أحيانا أيضا قد يحصل التغيير عند معظم الناس عندما يصبح " الألم من البقاء على نفس الحال أقوى من الألم عند التغيير" لذلك فإنهم يضطرون إلى التغيير و هذا أمر خطير آخر. لأن التغيير الذي سيحدث هنا هو تغيير غير مرغوب و غالبا لن يكون في الاتجاه الصحيح..
لذلك بدلا من انتظار المحفز للبدء بأي خطوة نحو الأمام ، ابدأ بدون انتظار أي شيء أو أي أحد.. ابدأ بغض النظر عن النتائج أو حجم الخطوة ، ابدأ بغض النظر عن الظروف التي تحيط حياتك من آلام وخيبات و أحزان لأن هذه الامور متى استوطنت العقل و القلب أفقدت صاحبها أي رغبة في التقدم أو التغيير، و لن يكون للدافع البسيط أي أثر في النفس.
خطوة صغيرة تراكمية ستعني في النهاية تغيير كبير و واضح . كل ما نحتاجه غالبا هو الشجاعة و الإرادة التي خلقت معنا و التي لا تدمرها سوى أفكارنا التي تجعلنا نعتقد أن الوقت غير مناسب و الظروف غير مهيئة و أننا لا نملك أي دافع للقيام بها.
لا تبحث عن الكمال و لكن ابحث عن التقدم بخطوات ، فالبذور في الأرض على قدر ما تكون صغيرة في البداية فإنها ستنبت شجرة كبيرة على مر الزمن في النهاية
-
Zeina Mkahalاحمل شهادة في علم النفس ، مهتمة بالكتابة و العمل الصحفي الالكتروني و العمل الإنساني ، أؤمن بالتعلم الذاتي