تونس خضراء لاول مرة
تونس في عينيا
نشر في 13 فبراير 2016 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
بعيدا عن المنابر السياسية والتوجهات الايديلوجية سأتحدث عن وطني ....
ترددت كثيرا قبل ان اكتب هذا المقال لان دموعي فيه تسبقني , ومشاعري تتأجج...الى كل من لم يعش معنا هاته اللحظات , الى كل من لايزال يعيش تحت وطأة الظلم والاستبداد اهدي اليكم كلماتي ...
كثير من الناس وخاصة من الدول العربية يسألونني اذا كنا نندم ولو للحظة على عهد بن علي ,
ساقولها بكل قوتي : لا لا لا..
1 تونس قبل الثورة :
انا ولدت في عهد بن علي وعشت في الدولة البوليسية باتم معنى الكلمة لا حرية فيها للتعبير , بل تفكر الف مرة قبل ان تكتب او تقول ما يجول في خاطرك. كنت ارى بن علي في سني الصغير صنما متربعا على عرش الابدية لايهرم ولايموت , ولا يذهب ابدا .
في الحقيقة لن اقول اني عانيت او ذقت ما ذاقه كثيرون من ابناء وطني .. حكم الطرابلسية كان يشملنا كلنا كان كالموت لايستثني احدا , لا رجال الاعمال الذين كلما حاولوا الاقدام على مشروع جديد الا ووجدوا الطرابلسية شركاء فيه ..طبعا غصبا . او الاراضي التي افتكت من اصحابها فقط لاستحواذها مواقع استراتجية ...كم من معارض عذب ونفي خارج الوطن , سجن واغتصبت اخواته وبناته امام عينيه ...
ساتكلم ...عن الناس التي ماتت في احداث الحوض المنجمي , ولم يسمع عنهم احد وسط تعتيم اعلامي واضح .
ساتكلم....عن الناس التي لم تكن تستطيع ان تدرك صلواتها في المساجد خوفا من التتبعات العدلية . عن الفتيات اللواتي ما ان يخرجن الى الشارع حتى يجدن شرطيا تطال يده حجابهن ليخلعه بكل وحشية ولاننسى البحث الذي سيقام في الموضوع , او الالتزام الذي ستوقعه الفتاة في "مركز الشرطة" عن وعن وعن.....عن مدينتي الساحلية الجميلة التي وذات صباح وجدنا سفنا فرنسية تغتصب سواحلنا بحثا عن الكنوز التاريخية التي بيعت بابخس الاثمان ...باعوهم تاريخنا بحفنة قروش اروبية .....
2 تجربتي الخاصة :
ساتحدث عن تجربتي الخاصة مع العهد البائد كنت في سن صغيرة حين الفت مسرحية في المعهد عن معاناة الشعب الفلسطيني, وما ان قدمتها للعرض في احدى القنوات التلفزيونية حتى ضحك المخرج ولم انسى الى اليوم ما قاله لي : " بنتي انتي ظاهر فيك تحب تسكرلنا القناة"....
عن الفلسفة التي عشقتها و لم استطع ان اكتب فيها عن السياسة وحين اردت ان اختارها في التوجيه الجامعي نظر لي استاذي وقال : "لاتختاري الفلسفة ستتعبين ,هذه ليست دولة الفلاسفة لمن ستكتبين وعن من ..."
بعت بثمن بخس اجمل احلامي الدراسية لعهد بائد خذلني كما الكثيرين ..خذلني في ان اكون ما اريد ...
بعد ذلك تفوقت في المعهد وكنت من الاوائل في الدفعة في شهادة ختم التعليم الثانوي , طرت من الفرح حين استدعاني المعهد لتسلم جائزتي , عدت فرحة بيدان مثقلتان بالكتب ..لكن ما راعني الا اني حين فتحت الجائزة كانت عبارة عن كتب تتحدث عن الانجازات المباركة "لبن علي" و كرت تهنئة من حزب "التجمع" لنجاحي في اجتياز الامتحان ...لازلت احتفظ باسمي منقوشا في ذلك الكتاب الذي كلما رايته لم استطع ان اواري تلك الابتسامة الساخرة على شفتي ....
من ثم بدات المرحلة الجامعية الصاخبة في كلية الحقوق كل يوم وجه تجمعي ياتي ليقنعني بالانضمام اليهم فيعدد لي محاسن الحزب :
- ساعة تكوين سياسي كل اسبوع لاتمكن من الحصول على شهادة تمكنني من الولج لسوق الشغل بسرعة البرق .
- في صورة عدم نجاجي وسقوطي لدورة التدارك اجد جيشا من المدافعين عني في المجلس الاداري ...الخ ..الخ ..الخ
لم اقبل لا لشيء الا انها كانت طريقتي الوحيدة للثورة على هذا النظام ..
الانتخابات الرئاسية 2009 كنت في الثامنة عشرة عندما جاءني احد الازلام ليعرض علي مبلغ 100 د لاصوت لبن علي .. فصوت الشباب "غالي" هكذا كانت تشترى الاصوات في بلدي , بعد ذلك بدات المساومة فعرض علي منصبا في الحزب بما انني في كلية الحقوق على حد قوله ........ رفضت .
اذكر كم فكرت من مرة قبل ان ارتدي الحجاب في ذلك الوقت, حتى امي رفضت خوفا علي قالت لي
" متلبس عيش بنتي راني نخاف عليك"...لم اخف ..حقا ...
في كلية السياحة كانوا اكثر احترافا من ان يحاكموني على حجابي اعلم ان تفوقي كان شفيعا لي ,لكن سالوني كيف ساجد عملا وانا ارتدي الحجاب في الحقيقة حينها لم اكن املك الاجابة .. لكني طمانتهم وكنت اول الدارسين في المجال وانا "محجبة",الحمد لله فحجابي لم يمنعني من التخرج الاولى على مستوى الجمهورية ...
3 الثورة :
جاءت الاحداث متتالية في نمط تصاعدي فوجئنا ذات يوم ب "محمد البوعزيزي" يحرق نفسه في سيدي بو زيد .....بدات الاحتجاجات.. المظاهرات.. القمع ..والترهيب البوليسي .....
خرجنا في المظاهرات رجلا واحدا ..قلبا واحدا ..ندافع عن الكرامة المسلوبة, والحرية المنهوبة ...
لم نخف لم نرهب كنا درعا جسديا يحمي احدنا الاخر ..كنا شعبا ..تسارعت دقات القلوب عند اعلان هروب بن علي " ياتوانسة بن علي هرب ...هرب ..." هرب كما يهرب اللصوص.. لم اصدق كان حلما صعب التصديق كالكابوس الذي ازيح عن صدورنا بعد 23 سنة ...
في تلك الايام رايت شعبا متكاتفا. كل حي كون لجنة ليحمي ممتلكاته من قطاع الطرق ..كانت اياما جميلة لايخاف فيها او يجوع احد تقاسمنا الرغيف , احببنا بعضنا حقا ,كما خرجنا كيانا واحدا لنهتف "ديقاج" يعني "ارحل" رايت تونس خضراء لاول مرة.........
اصدقائي نحن شعب اشترينا حريتنا بثمن غالي بدم شهداء الوطن... فلا تحدثوني الان عن الندم , نحن قوم كرامتنا وحريتنا اثمن من ان نكون عبيدا للظالمين او لنسلم وطننا لقمة سائغة لافواه الطامعين ....
نعم افتخر بالثورة ...افتخر لكوني تونسية ..بنت عليسة والجازية الهلالية ..
لتحيا تونس ...وليحيا ابناء وطني .....وكما قال ابو القاسم الشابي " نموت نموت ..ويحيا الوطن"
أنا احرار ما يخافوش
أنا اسرار ما يموتوش
أنا صوت ال ما رضخوش
أنا حرّ وكلمتي حرّة
ما تنساش زارع الغصة
وما تنساش خاين الويل
أنا احرار ما يخافوش
أنا اسرار ما يموتوش
أنا صوت ال ما رضخوش
أنا سرّ الوردة الحمرا
اللي عشقوا حمرتها سنين
اللي حرقوا ريحتها نهار
وخرجت بلحاف النار
تنادي عالأحرار
أنا احرار ما يخافوش
أنا اسرار ما يموتوش
أنا في وسط الظلمة نجمة
أنا في حلق الظالم شوكة
أنا ريح لسعتها النار
أنا صوت ال ما ماتوش
أنا روح ال ما نسيوش
نصنع من الحديد صلصال
نبني بيه عشقة جديدة
تولي أطيــــــار
وتولّي ديـــــــار
أنا احرار الدنيا واحد
أنا واحد من كرتوش*
أنا احرار الدنيا واحد
أنا واحد من كرتوش
* كرتوش: كلمة أصلها فرنسي وتعني رصاصة. ( اغنية الامال المثلوثي)
خلود شعبان
-
خلود شعبانكاتبة و مدونة