الصادق تفضحه عيناه
قصة حقيقية...
نشر في 03 يونيو 2018 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
استوقفتني كثيرََا هذه الصورة التي شاهدتها على إحدى مواقع التواصل الإجتماعي. هي صورة لـِ شخص في لندن قرر إنهاء حياته، يظهر حوله الناس مجتمعة في محاولة لـِ إنقاذه.
لم يكن دعمهم حكمََا ودروسََا دينية أو أسئلة من قبيل لماذا يا بني؟ أما لك أسرة وأم تحتاجك؟ أو أي نوع من أنواع الاستنكار لفعله الغريب. فكان المشهد أشبه بالملحمة العاطفية التي تتلاحم فيها كل معاني المحبة والإيثار.
فـ قام أحدهم بـِ إحتضانه من رقبته ... والثاني من قدميه
و البعض قد ربطه بحبلِِ مخافةَ أن يقع
و اكتفوا -فقط- بالصمت والنظر إلى عيناه لـ طمئنته إلى أن تصل إليه سيارة الإسعاف
تحليل هذا الفِعل النبيل ...
في حقيقة الأمر هذا التصرف في منتهى الدهاء ويُدَرس في علم النفس، لأن نفسية الشخص المُقدم على الإنتحار يصعب عليها استيعاب الكلام في هذه الآونة، هي فقط تستشعر الصدق في أعين الخائفين و القلقين وتستطيع قراءة أحاسيس من حولها الصادقة،وتميز المُفتعلة منها...
كم سيستغرق من الوقت كي يفهم الناس ان هناك أياما تمرّ بالإنسان .. حتى الإيماء بالرأس يصبح ثقيلا عليه ؟ - فيودور دوستويفسكي
تمر علينا لحظات في منتهى الألم النفسي ولا نستطيع وقتها التفوه أو التحدث مع أي شخص أيََا كان قُربه منا، ومن الممكن التصرف بلا وعي وإفتعال أشياء سخيفة جدََا وقتها .لكن أكاد أُجزم أن أقصى ما نتمناه في هذه اللحظة هو الاحتواء و التقبل و ليس الفضفضة أو إيجاد حلول.
الكَلمة الطيبة قد تفْعل في الإنْسان ما لا تفعَله الأدْوية القويَّة، فهِي حياةٌ خَالدة لا تفْنى بِمَوت قائلِها. - يوسف زيدان
كيف لنا أن نتعامل مع أي شخص يُعاني نفسيََا أو مقدم على الإنتحار؟
من استراتيجيات الشخص المُسعف حينها ألا يبحث عن حل لِـ الشخص المُقدم على الإنتحار أو الذي يعاني ألمََا نفسيََا ... فقط وقتها احتضنه حتى يعبر محنته بسلام، وبعدها ناقشه بتعقل عن مشكلته وأوجد معه حلولَا مُرضيه له و سيكون حينها قادرََا على تقبلها ومناقشتها…
إن سر تقبل الشخص الذي أمامكم في الصورة لـِ مساعدة الناس له، يكمن في السر الخطير الذي أعتقد أنه مازال حتى يومنا هذا "سرََا" في كواليس هذا المشهد، ألا وهو .... أنهم صدقوا المحبة والنيّة على المساعدة بلا أي وجه لـ الانتفاع من هذا الفعل التطوعي، فظهرت مشاعرهم في عيونهم (الصادق حقََا تفضحه عيناه) وليس لأي غرض سوى مساعدة نفس وروح من الممكن أن تُصبح ذات شأن عظيم يومََا ما…
أعتقد أنهم لو لم يكونوا صادقين على حق وقد صدّقهم هذا الشخص وآمن لهم بعد أن قرأ الصدق في أعينهم، ما كان لـ هذه الروح أن تظل حرة طليقة تُرزق على قيد الحياة.
إن من الكلام ما هو أشد من الحجر , وأنفذ من وخز الإبر , وأمر من الصبر , وأحر من الجمر , وإن من القلوب مزارع , فازرع فيها الكلمة الطيبة , فإن لم تنبت كلها ينبت بعضها. - لقمان الحكيم
أخيرََا وليس آخرََا
صدق رسولنا الكريم ﷺ (الكلمة الطيبة صدقة) (1)، ومن فرج عن أخيه كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة (2). فالحياة على الهدي و سُنة المُصطفى وبـِ العلم هي الجنة بـ عينها...
_________________________________________________
(1). حديث متفق عليه
(2). عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ فَرَّجَ عَنْ أَخِيهِ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ فِي الدُّنْيَا سَتَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ»
-
Lamis Moussa Diabامرأة بـِ أُمة
التعليقات
اسمحِ لي بإعلان إعجابي بهذا المقال الرائع، لا تكاد حروفي تُسعفني لوصفه
دمتِ خلّاقة، متألقة، معطاءة .
صدقتى
أذكر منذ شهور سأل شاب مصري على الفيس بوك أصدقاءه عن أفضل طرق الإنتحار , و كانت أغلب التعليقات إما التعنيف أو السخرية لدرجة أن البعض اقترح عليه بالفعل طرقاً للإنتحار , و للأسف انتحر الشاب في اليوم التالي بالفعل .
المقدم على الإنتحار لا يحتاج لتعنيف لأنه منهار بالفعل , ولا يحتاج لنصائح لأنه يعرفها بالفعل . هو فقط يحتاج للإحتواء كما ذكرتي في مقالك .
مقال رائع كعادتك , و سعيد بأنكِ قد كونتي لنفسك أسلوباً مميزاً في الكتابة حتى صرت أعرف أنه مقالك قبل أن أقرأ اسم الكاتب . بالتوفيق و في إنتظار مقالاتك القادمة .
اعجبني حقا وصفك و تحليلك لاجمل مشهد يصف و يبرز في طياته .. اجمل لوحة للانسانية ..انسانية إفتقدناها بيومنا هذا .. و في اوطان يجب ان تقدم دروسا في الانسانية .. اوطان تخلت عن انسانيتها تجردت من اخلاقها .. مصدرة اياها لمواطن اخرى ..تعرف معنى الانسان ..و تحترمه و تقدر مواهبه ..
...كم سيستغرق من الوقت كي يفهم الناس ان هناك أياما تمرّ بالإنسان .. حتى الإيماء بالرأس يصبح ثقيلا عليه ؟ - فيودور دوستويفسكي
اعجبتني كثيرا... انا احب القراءة له ..
لقد كان وصفك في منتهى الدقة و الجمال ..ابدعت حقا ..
تمر علينا لحظات( لا نستطيع وقتها التفوه أو التحدث مع أي شخص أيََا كان قُربه منا.... لكن أقصى ما نتمناه في هذه اللحظة هو الاحتواء و التقبل و ليس الفضفضة أو إيجاد حلول.) ...
..
حقا وبلا مصلحة .... انهم يريدون المساعدة ... لكن احيانا سؤالهم عن الغير ... قد يفسر تفسيرا خطأ ...
وهذا ما أشارت له ... لميس في تلك الفقرة أنهم صدقوا المحبة والنيّة على المساعدة بلا أي وجه لـ الانتفاع من هذا الفعل التطوعي، فظهرت مشاعرهم في عيونهم (الصادق حقََا تفضحه عيناه) وليس لأي غرض سوى مساعدة نفس وروح من الممكن أن تُصبح ذات شأن ....
.. وصدق الرسول صلى عليه وسلم ( مَنْ فَرَّجَ عَنْ أَخِيهِ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ) ...