إلى التي من بعدها تموتُ كل النّساء ..
نشر في 27 شتنبر 2016 وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .
أمي إنّ الأوفوريا تفقد كثافتها من دونك ، و يصير ورق السّنديان و بخور الملائكة و بحار الحبّ عند الصّوفية مجرّد أوهام .. إنّّ حزنك كاف لتشتيت القارّات في داخلي و جعلي مجرّد روبوت لا يتقن لغة صالحة للإستعمال ..
أمي .. أحتاج أن نكتري كرسيّا خشبيا و نجلس بجانب البحر ، أن أقول لك بعض الأشياء و أن أتأمّل وجهك جيّدا ، أحتاجُ أن يعزف لنا موسيقار من بعيد كل ما ضيّعناه ، أن نُمضي بعض الساعات معا و أن نختفي في اللاّمكان ..
أمي .. لا أحتاجُ شيء أحتاج فقط أن أغفو على كتفك .. أن يترُكنا بحالنا الزّمن ، أن أضع يدي على ثغرك قبل أن تقولي هيّا لقد تأخّر الوقت ..
أحتاج أن أكون أمّك و لو لساعات .. أن أكون الأمّ التي رحلت للسماء و أنت بعمر السِّت أشهر .. أمي إنّي أخاف أن أفقدكـ ذلك اليوم ، أخاف أن أبكي كلّ ما لم أمضه معك ، كل ألم تسبّبت به ، كلّ سوء أدب و كلّ ذرّة من الزّمن قضّيتها بعيدا عنك ..
أمي أتُدركين معنى أن أعيش و بداخلي وجع صغير باسمك .. أخاف أن أصير فجأة بدون أمّ ، أخاف أن أتحمّل الألم الذي حملته بين أضلعك طول حياتك ..
إنّي سأتعب من دونك .. لن أموت كما سأظنّ ، سأبحث عنك كثيرا لكنّني لن أجدك ، سأصير من دون وجه سأصير باهتة ..
كنت صغيرة أتأملّك طويلا لأبحث عني في شيء منك ، دوما كنت أغير من أختي لأنها تشبهك ، وأصاب بنوبة فرح مزمنة حين يُشبِّهُني أحد لك ..
كنت في المستوى الأول ابتدائي حين أخبرتك أنني كنت سأكون حزينة لو لم تلديني و اكتفيت بإخوتي .. ضحكتِ يومها كثيرا حتى المتك معدتك .. غضبت من ردّة فعلك و حين رأيت جدّيتي كدت تفقدين صواب وأنت تحاولين إفهام طفلة صغيرة قواعد فلسفة الوجود و العدم .. كان أوّل درس فلسفة يُلقّنه لي أحدهم .. لكنّني أصررت أني كنت سأكون حزينة في العدم من دونك أنت وأبي .. كبرت و لا زلت أرددها بيقين و أضرب عرض الحائط بكل نظريات الفيزياء النظرية لأستمتع بابتسامتك و أنت تقولين متى يصير لك عقل أيتها الحمقاء ..
إنك معجزة كونية وأكسجين خال من ملوّثات الحياة .. إنّك مبرهنة رياضية على أنّ الحياة من دونك معادلة صعبة ..
المعلقات السبع و قصائد هوميروس و أعوام من الوطن لناجي و مطر و غسّان ، لا تعدل سطرا حلالا في حبّك و لو وُزنت بماء الذّهب أو عُوّضت بالغفران ..
كنت بالسّابعة حين سألت صديقتي كيف يكون شكل الأميرات .. أخبرتني أنّهن دوما جميلات .. يلبسن فساتينا غالية و باستطاعتهنّ شراء كل الحلوى التي يبيعها " بّا علي " بجوار المدرسة .. مرت الأعوام و اكتشفت أن هناك أميرات يُربّين الأجيال و يعجنّ الخبز و لهن احتياطي ضخم من الحبّ و الحنان يسع مجرّة و بضع كويكبات من البشر ..
كبرت و أدركت أنّ الوطن مملوء بالأميرات الحقيقيات .. و أن لكل أميرته ..
فحبّ الأمّ وحده إمارة يضيع فيها العاق و يتلمّس طريقه فيها البارّ ، و كما هو حبّ الوالدين غريب .. فميكانيزما الحب عند الأمّ أغرب ، إنها تتألّم لتأتي بك للعالم ، فتُحبّك أكثر من كل من في العالم .. إنّك تمتصّ الشباب منها و هي تغفر لك كلّ هفوات الشّباب .. إنّك تكبر فتبعدك عنها مشاغل الحياة ، و تظلّ أنت بالنسبة لها كلّ الحياة ..
إنّها العيد و حلوى الطفولة و الأحلام المُبعثرة بالسّماء .. إنها هي إنها إحدى أجمل هبات السّماء ..
إلى التي من بعدها تموتُ كلّ النساء : أحبّك إلى يوم يُبعثون ..
-
السعدية بن التيس ( صحيفتك فملأها بما شئت )علمية التخصص .. أدبية الشغف !
التعليقات
دام إبداعك ..
أبكاني هذا المقال كثيرََا حبََا وشوقََا لمن بها اكتمل عقلي الناقص وفتت روحي وفجعني فقدانها... دام قلمك سيدتي/ السعدية وأسعدك ربي أبد الدهر...
( الام ... )
من أبدع ما كتبت يداكى ... العبارات التالية :
* فميكانيزما الحب عند الأمّ أغرب ،
* إنها تتألّم لتأتي بنا للعالم ، فتُحبّنا أكثر من كل من في العالم
* اننا تمتصّ الشباب منها و هي تغفر لنا كلّ هفوات الشّباب
* كلنا نكبر... فتبعدنا عنها مشاغل الحياة ،( و ما أكثر ذلك ... و تظلّ أنت بالنسبة لها كلّ الحياة ..) حفظ الله أمهاتنا... وغفر الله لمن توفى منهن ...